الْعَزِيمَةُ فِي الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ اسْمٌ لِمَا هُوَ أَصْلٌ مِنْهَا غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْعَوَارِضِ سُمِّيَتْ عَزِيمَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ أُصُولًا كَانَتْ فِي نِهَايَةِ التَّوْكِيدِ حَقًّا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ، وَهُوَ نَافِذُ الْأَمْرِ وَاجِبُ الطَّاعَةِ وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ بِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ وَالِاسْمَانِ مَعًا دَلِيلَانِ عَلَى الْمُرَادِ. أَمَّا الْعَزْمُ فَهُوَ الْقَصْدُ الْمُتَنَاهِي فِي التَّوْكِيدِ
ــ
[كشف الأسرار]
الدُّنْيَا.
وَقَوْلُهُ الْعَزِيمَةُ اسْمٌ لِمَا هُوَ أَصْلٌ مِنْهَا أَيْ مِنْ الْأَحْكَامِ تَمَامُ التَّعْرِيفِ. وَقَوْلُهُ غَيْرُ مُتَعَلِّقٍ بِالْعَوَارِضِ تَفْسِيرٌ لِأَصَالَتِهَا لَا تَقْيِيدٌ. وَيَدْخُلُ فِي هَذَا التَّعْرِيفِ مَا يَتَعَلَّقُ بِالْفِعْلِ كَالْعِبَادَاتِ، وَمَا يَتَعَلَّقُ بِالتَّرْكِ كَالْحُرُمَاتِ. وَيُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ صَاحِبُ الْمِيزَانِ بَعْدَ تَقْسِيمِ الْأَحْكَامِ إلَى الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ وَالْمُبَاحِ وَالْحَرَامِ وَالْمَكْرُوهِ وَغَيْرِهَا أَنَّ الْعَزِيمَةَ اسْمٌ لِلْحُكْمِ الْأَصْلِيِّ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْأَقْسَامِ الَّتِي ذَكَرْنَا مِنْ الْفَرْضِ وَالْوَاجِبِ وَالسُّنَّةِ وَالنَّفَلِ وَنَحْوِهَا لَا لِعَارِضٍ سُمِّيَتْ أَيْ الْأَحْكَامُ الْأَصْلِيَّةُ عَزِيمَةً.؛ لِأَنَّهَا مِنْ حَيْثُ كَانَتْ أُصُولًا أَيْ مَشْرُوعَةً ابْتِدَاءً. حَقًّا لِصَاحِبِ الشَّرْعِ مَفْعُولٌ لَهُ أَيْ كَانَتْ فِي نِهَايَةِ التَّوْكِيدِ مِنْ حَيْثُ إنَّهَا كَانَتْ أُصُولًا لِأَجْلِ أَنَّهَا حَقٌّ لَهُ أَوْ هُوَ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِغَيْرِهِ.
وَهُوَ نَافِذُ الْأَمْرِ وَاجِبُ الطَّاعَةِ فَكَانَ أَمْرُهُ مُفْتَرَضَ الِامْتِثَالِ وَشَرْعُهُ وَاجِبَ الْقَبُولِ فَكَانَ مُؤَكِّدًا. وَقَوْلُهُ وَالرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ تَعْرِيفُ الرُّخْصَةِ. وَقَوْلُهُ، وَهُوَ مَا يُسْتَبَاحُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ تَفْسِيرٌ لَهُ يَعْنِي أُرِيدَ بِقَوْلِهِ مَا بُنِيَ عَلَى أَعْذَارِ الْعِبَادِ مَا يُسْتَبَاحُ بِعُذْرٍ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ. فَقَوْلُهُ مَا يُسْتَبَاحُ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ الْفِعْلَ وَالتَّرْكَ.
وَقَوْلُهُ لِعُذْرٍ احْتِرَازٌ عَمَّا أُبِيحَ لَا لِعُذْرٍ وَنَظَائِرُهُ كَثِيرَةٌ. وَقَوْلُهُ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ احْتِرَازٌ عَنْ مِثْلِ الصِّيَامِ عِنْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ فِي الظِّهَارِ إذْ لَا يُمْكِنُ دَعْوَى قِيَامِ السَّبَبِ الْمُحَرَّمِ عِنْدَ فَقْدِ الرَّقَبَةِ مَعَ اسْتِحَالَةِ التَّكْلِيفِ بِإِعْتَاقِهَا حِينَئِذٍ بَلْ الظِّهَارُ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْإِعْتَاقِ فِي حَالَةٍ وَلِوُجُوبِ الصِّيَامِ فِي حَالَةٍ أُخْرَى.
وَاعْتُرِضَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ إنْ أُرِيدَ بِالِاسْتِبَاحَةِ الْإِبَاحَةُ بِدُونِ الْحُرْمَةِ فَهُوَ تَخْصِيصُ الْعِلَّةِ؛ لِأَنَّ قِيَامَ الْمُحَرَّمِ بِدُونِ حُكْمِهِ لِمَانِعِ تَخْصِيصٍ لَهُ. وَإِنْ أُرِيدَ بِهَا الْإِبَاحَةُ مَعَ قِيَامِ الْحُرْمَةِ فَهُوَ جَمْعٌ بَيْنَ الْمُتَضَادَّيْنِ وَكِلَاهُمَا فَاسِدٌ. وَلَا يُفِيدُ تَغْيِيرُ الْعِبَارَةِ بِأَنَّ الرُّخْصَةَ هِيَ مَا رُخِّصَ مَعَ قِيَامِ الْمُحَرَّمِ؛ لِأَنَّ التَّرْخِيصَ غَيْرُ خَارِجٍ عَنْ الْإِبَاحَةِ فَكَانَ فِي مَعْنَى الْأَوَّلِ وَزِيَادَةً، وَهِيَ أَنَّهُ اسْتَعْمَلَ رُخِّصَ فِي حَدِّ الرُّخْصَةِ، وَإِنْ أَمْكَنَ تَأْوِيلُهُ بِاللُّغَوِيِّ دُونَ الِاصْطِلَاحِيِّ؛ لِأَنَّ أَقَلَّهُ اسْتِعْمَالُ اللَّفْظِ الْمُبْهَمِ فِي التَّعْرِيفِ، وَهُوَ قَبِيحٌ. وَأُجِيبَ عَنْهُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِ يُسْتَبَاحُ يُعَامَلُ بِهِ مُعَامَلَةَ الْمُبَاحِ لَا أَنَّهُ يَصِيرُ مُبَاحًا حَقِيقَةً؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْحُرْمَةِ قَائِمٌ إلَّا أَنَّهُ لَا يُؤَاخَذُ بِتِلْكَ الْحُرْمَةِ بِالنَّصِّ وَلَيْسَ مِنْ ضَرُورَةِ سُقُوطِ الْمُؤَاخَذَةِ انْتِفَاءُ الْحُرْمَةِ فَإِنَّ مَنْ ارْتَكَبَ كَبِيرَةً وَعَفَا اللَّهُ عَنْهُ، وَلَمْ يُؤَاخِذْهُ بِهَا لَا تُسَمَّى مُبَاحَةً فِي حَقِّهِ لِعَدَمِ الْمُؤَاخِذِ. وَلِهَذَا ذَكَرَ صَدْرُ الْإِسْلَامِ الرُّخْصَةُ تَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِالْفِعْلِ مَعَ وُجُودِ السَّبَبِ الْمُحَرَّمِ لِلْفِعْلِ وَحُرْمَةُ الْفِعْلِ وَتَرْكُ الْمُؤَاخَذَةِ بِتَرْكِ الْفِعْلِ مَعَ قِيَامِ السَّبَبِ الْمُوجِبِ لِلْفِعْلِ، وَكَوْنِ الْفِعْلِ وَاجِبًا.
وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ الرُّخْصَةُ اسْمٌ لِمَا تَغَيَّرَ عَنْ الْأَمْرِ الْأَصْلِيِّ إلَى تَخْفِيفٍ وَيُسْرٍ تَرْفِيهًا وَتَوْسِعَةً عَلَى أَصْحَابِ الْأَعْذَارِ. وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ: الرُّخْصَةُ مَا وُسِّعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ فِعْلُهُ بِعُذْرٍ مَعَ كَوْنِهِ حَرَامًا فِي حَقِّ مَنْ لَا عُذْرَ لَهُ أَوْ وُسِّعَ عَلَى الْمُكَلَّفِ تَرْكُهُ مَعَ قِيَامِ الْوُجُوبِ فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَعْذُورِ. وَسَوَّى بَيْنَ الرُّخَصِ كُلِّهَا، وَقَالَ لَا يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الرُّخْصَةُ حَرَامَ التَّحْصِيلِ قَالَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى بِرُخَصِهِ كَمَا يُحِبُّ أَنْ يُؤْتَى بِعَزَائِمِهِ» «وَقَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِعَمَّارٍ حِينَ أَجْرَى كَلِمَةَ الْكُفْرِ عَلَى لِسَانِهِ بِالْإِكْرَاهِ. فَإِنْ عَادُوا فَعُدْ» .
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute