وَهُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ؛ لِأَنَّ السُّجُودَ لَمَّا كَانَ فَرْضًا صَارَ السَّاجِدُ عَلَى النَّجَسِ بِمَنْزِلَةِ الْحَامِلِ مُسْتَعْمِلًا لَهُ بِحُكْمِ الْفَرِيضَةِ وَالتَّطْهِيرِ عَنْ حَمْلِ النَّجَاسَةِ فَرْضٌ دَائِمٌ فِي أَرْكَانِ الصَّلَاةِ فِي الْمَكَانِ أَيْضًا فَيَصِيرُ ضِدُّهُ مُفَوَّتًا لِلْفَرْضِ وَلِهَذَا قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنَّ إحْرَامَ الصَّلَاةِ يَنْقَطِعُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ دَائِمٌ فِي التَّقْدِيرِ حُكْمًا عَلَى مَا عُرِفَ فَيَنْقَطِعُ الْإِحْرَامُ بِانْقِطَاعِهِ بِمَنْزِلَةِ أَدَاءِ الرُّكْنِ مَعَ النَّجَاسَةِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - الْفَسَادُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي رَكْعَةٍ ثَابِتٌ بِدَلِيلٍ مُحْتَمَلٍ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى الْإِحْرَامِ، وَإِذَا تُرِكَ فِي الشَّفْعِ كُلِّهِ فَقَدْ صَارَ الْفَسَادُ مَقْطُوعًا بِهِ بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ فَتَعَدَّى إلَى الْإِحْرَامِ
ــ
[كشف الأسرار]
الصَّلَاةِ بِدَلَالَةِ قَوْله تَعَالَى: {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: ٤] . أَيْ لِلصَّلَاةِ عَلَى مَا قِيلَ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّ تَعَلُّقَ الصَّلَاةِ بِالْمَكَانِ وَالْبَدَنِ أَكْثَرُ مِنْ تَعَلُّقِهَا بِالثَّوْبِ فَيَثْبُتُ الْكَفُّ مُطْلَقًا بِالسُّجُودِ عَلَى الْمَكَانِ النَّجَسِ يَفُوتُ ذَلِكَ الْكَفُّ فَيَكُونُ مُفْسِدًا كَالْكَفِّ فِي الصَّوْمِ لَمَّا كَانَ مَأْمُورًا بِهِ فِي جَمِيعِ الْيَوْمِ يَكُونُ الْأَكْلُ فِي جُزْءٍ مِنْهُ مُفْسِدًا لَهُ.
ثُمَّ النَّجَاسَةُ إذَا كَانَتْ فِي مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ أَوْ الرُّكْبَتَيْنِ لَا يَمْنَعُ عَنْ الْجَوَازِ، وَقَالَ زُفَرُ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: يَمْنَعُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ أَدَاءَ السَّجْدَةِ بِوَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْوَجْهِ جَمِيعًا فَكَانَتْ النَّجَاسَةُ فِي مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ مِثْلَهَا فِي مَوْضِعِ الْوَجْهِ، وَأَكْثَرُ مَا فِي الْبَابِ أَنَّ لَهُ بُدًّا مِنْ وَضْعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ، وَهَذَا لَا يَدُلُّ عَلَى الْجَوَازِ إذَا وُضِعَ عَلَى مَكَان نَجِسٍ كَمَا لَوْ لَبِسَ ثَوْبَيْنِ فِي أَحَدِهِمَا نَجَاسَةٌ كَثِيرَةٌ لَا يَجُوزُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ كَانَ لَهُ مِنْهُ بُدٌّ. فَالشَّيْخُ بِقَوْلِهِ صَارَ مُسْتَعْمِلًا لِلنَّجَسِ بِحُكْمِ الْفَرْضِيَّةِ أَشَارَ إلَى الْفَرْقِ، وَهُوَ إنَّمَا جَعَلْنَاهُ حَامِلًا لِلنَّجَسِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ وَضْعَ الْوَجْهِ عَلَى الْمَكَانِ الطَّاهِرِ، وَوَضْعَهُ عَلَى الْمَكَانِ النَّجَسِ مَانِعٌ عَنْ أَدَاءِ الْفَرْضِ فَيُعْتَبَرُ هَذَا الِاسْتِعْمَالُ وَيُجْعَلُ قَاطِعًا فَأَمَّا وَضْعُ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ فَلَيْسَ بِفَرْضٍ فَكَانَ وَضْعُهَا عَلَى النَّجَاسَةِ بِمَنْزِلَةِ تَرْكِ الْوَضْعِ وَذَلِكَ لَا يَمْنَعُ مِنْ الْجَوَازِ فَلَا يَكُونُ هَذَا الْوَضْعُ بِمَنْزِلَةِ حَمْلِ النَّجَاسَةِ. بِخِلَافِ الثَّوْبَيْنِ فَإِنَّ اللَّابِسَ لِلثَّوْبِ مُسْتَعْمِلٌ لَهُ حَقِيقَةً فَإِذَا كَانَ نَجِسًا كَانَ هُوَ حَامِلًا لِلنَّجَاسَةِ لَا مَحَالَةَ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ كَمَا لَوْ كَانَ مُمْسِكُهُ بِيَدِهِ فَأَمَّا الْمُصَلِّي فَلَيْسَ بِحَامِلٍ لِلْمَكَانِ حَقِيقَةً.
وَقَوْلُهُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْجَوَابِ احْتِرَازٌ عَمَّا رَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ أَنَّ النَّجَاسَةَ فِي مَوْضِعِ السُّجُودِ لَا تَمْنَعُ عَنْ الْجَوَازِ؛ لِأَنَّ فَرْضَ السُّجُودِ يَتَأَدَّى بِوَضْعِ الْأَرْنَبَةِ عَلَى الْأَرْضِ عِنْدَهُ وَذَلِكَ دُونَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلَا يَمْنَعُ الْجَوَازَ. وَالْجَوَابُ عَنْهُ أَنَّهُ إذَا وَضَعَ الْجَبْهَةَ وَالْأَنْفَ تَأَدَّى الْفَرْضُ بِالْكُلِّ كَمَا إذَا طَوَّلَ الْقِرَاءَةَ وَالرُّكُوعَ كَانَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ بِالْكُلِّ وَالْجَبْهَةُ وَالْأَنْفُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَلِذَلِكَ مُنِعَ الْجَوَازُ قَوْلُهُ (وَلِهَذَا) قَالَ مُحَمَّدٌ أَيْ؛ وَلِأَنَّ الْفَرْضَ الْمُمْتَدَّ يَفُوتُ بِمُطْلَقِ وُجُودِ الضِّدِّ قَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - إنَّ إحْرَامَ الصَّلَاةِ يَنْقَطِعُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ فِي التَّنَفُّلِ، وَإِنْ كَانَ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فَرْضٌ دَائِمٌ فِي التَّقْدِيرِ حُكْمًا؛ لِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا رُكْنًا شَرْطُ صِحَّةِ الْأَفْعَالِ لَا اعْتِبَارَ لَهَا بِدُونِهَا فِي الشَّرْعِ قَالَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» . أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ اسْتَخْلَفَ أُمِّيًّا بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ وَقَدْ أَتَى بِفَرْضِ الْقِرَاءَةِ فِي مَحَلِّهَا فَسَدَتْ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا لِفَوَاتِ الْقِرَاءَةِ فِيمَا بَقِيَ مِنْ الصَّلَاةِ تَقْدِيرًا؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ إنَّمَا يَصِحُّ فِي حَقِّ الْأَهْلِ لَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْأَهْلِ، وَالْأُمِّيُّ لَيْسَ بِأَهْلٍ. وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا فَرْضٌ دَائِمٌ يَتَحَقَّقُ الْفَوَاتُ بِالتَّرْكِ فِي رَكْعَةٍ وَتَفْسُدُ الْأَفْعَالُ وَيَتَعَدَّى الْفَسَادُ إلَى الْإِحْرَامِ بِوَاسِطَةِ فَسَادِ الْأَفْعَالِ؛ لِأَنَّهَا حِينَئِذٍ تَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ أَفْعَالٍ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ فَيُوجِبُ فَسَادَ الْإِحْرَامِ ضَرُورَةً. وَاحْتَجَّ أَبُو حَنِيفَةَ بِمَا احْتَجَّ بِهِ مُحَمَّدٌ رَحِمَهُمَا اللَّهُ إلَّا أَنَّهُ شَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْفَسَادُ بِتَرْكِ الْقِرَاءَةِ ثَابِتًا بِدَلِيلٍ مَقْطُوعٍ بِهِ لِيَصِيرَ قَوِيًّا فِي نَفْسِهِ وَيَصْلُحَ لِلتَّعَدِّي إلَى الْإِحْرَامِ وَذَلِكَ بِأَنْ يَتْرُكَهَا فِي الشَّفْعِ كُلِّهِ فَأَمَّا إذَا وُجِدَتْ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ فَهُوَ مَوْضِعُ الِاجْتِهَادِ؛ لِأَنَّ مِنْ الْعُلَمَاءِ مَنْ قَالَ تَجُوزُ الصَّلَاةُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute