للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ جَلَّ ذِكْرُهُ {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢] ، وَهَذَا فِي كِتَابِ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى.

وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَدْ صَحَّ عَنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَبُولُهُ خَبَرَ الْوَاحِدِ

ــ

[كشف الأسرار]

قَبْلَ التَّوْبَةِ بَلْ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ التَّوْبَةُ ثُمَّ تَرْتِيبُ الْبَيَانِ عَلَيْهِ فَعَلَى هَذَا بَيَانُهُ يُفِيدُ وُجُوبَ الْقَبُولِ وَالْعَمَلِ بِهِ كَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ قَوْلُهُ جَلَّ ذِكْرُهُ: {فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} [التوبة: ١٢٢] الْآيَةَ وَجْهُ التَّمَسُّكِ بِهِ أَنَّهُ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى كُلِّ طَائِفَةٍ خَرَجَتْ مِنْ فِرْقَةٍ الْإِنْذَارَ، وَهُوَ الْإِخْبَارُ الْمَخُوفُ عِنْدَ الرُّجُوعِ إلَيْهِمْ، وَإِنَّمَا أَوْجَبَ الْإِنْذَارَ طَلَبًا لِلْحَذَرِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] . وَالتَّرَجِّي مِنْ اللَّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فَيُحْمَلُ عَلَى الطَّلَبِ اللَّازِمِ، وَهُوَ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى أَمْرٌ فَيَقْتَضِي وُجُوبَ الْحَذَرِ، وَالثَّلَاثَةُ فِرْقَةٌ، وَالطَّائِفَةُ مِنْهَا إمَّا وَاحِدٌ أَوْ اثْنَانِ فَإِذَا رَوَى الرَّاوِي مَا يَقْتَضِي الْمَنْعَ مِنْ فِعْلٍ وَجَبَ تَرْكُهُ لِوُجُوبِ الْحَذَرِ عَلَى السَّامِعِ، وَإِذَا وَجَبَ الْعَمَلُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ أَوْ الِاثْنَيْنِ هَاهُنَا وَجَبَ مُطْلَقًا إذْ لَا قَائِلَ بِالْفَرْقِ. وَلَا يُقَالُ الطَّائِفَةُ اسْمٌ لِلْجَمَاعَةِ بِدَلِيلِ لُحُوقِ هَاءِ التَّأْنِيثِ بِهَا فَلَا يَصِحُّ حَمْلُهَا عَلَى الْوَاحِدِ وَالِاثْنَيْنِ.؛ لِأَنَّا نَقُولُ اخْتَلَفَ الْمُتَقَدِّمُونَ فِي تَفْسِيرِهَا فَقِيلَ هِيَ اسْمٌ لِعَشَرَةٍ، وَقِيلَ لِثَلَاثَةٍ، وَقِيلَ لِاثْنَيْنِ، وَقِيلَ لِوَاحِدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ فَإِنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٢] . الْوَاحِدُ فَصَاعِدًا كَمَا قَالَ قَتَادَةُ، وَكَذَا نُقِلَ فِي سَبَبِ نُزُولِ قَوْله تَعَالَى: {وَإِنْ طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا} [الحجرات: ٩] . أَنَّهُمَا كَانَا رَجُلَيْنِ أَنْصَارِيَّيْنِ بَيْنَهُمَا مُدَافَعَةٌ فِي حَقٍّ فَجَاءَ أَحَدُهُمَا إلَى النَّبِيِّ دُونَ الْآخَرِ. وَقِيلَ كَانَ أَحَدُهُمَا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَالْآخَرُ مِنْ أَتْبَاعِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أُبَيٍّ الْمُنَافِقِ عَلَى مَا عُرِفَ عَلَى أَنَّا لَوْ حَمَلْنَاهَا عَلَى أَكْثَرِ مَا قِيلَ، وَهُوَ الْعَشَرَةُ لَا يَنْتَفِي تَوَهُّمُ الْكَذِبِ عَنْ خَبَرِهِمْ، وَلَا يَخْرُجُ خَبَرُهُمْ عَنْ الْآحَادِ إلَى التَّوَاتُرِ. وَلَا يُقَالُ سَلَّمْنَا أَنَّ الرَّاجِعَ مَأْمُورٌ بِالْإِنْذَارِ بِمَا سَمِعَهُ، وَلَكِنْ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ السَّامِعَ مَأْمُورٌ بِالْقَبُولِ كَالشَّاهِدِ الْوَاحِدِ مَأْمُورٌ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ، وَلَا يَجِبُ الْقَبُولُ مَا لَمْ يَتِمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ وَتَظْهَرُ الْعَدَالَةُ بِالتَّزْكِيَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ وُجُوبُ الْإِنْذَارِ مُسْتَلْزِمٌ لِوُجُوبِ الْقَبُولِ عَلَى السَّامِعِ كَمَا بَيَّنَّا كَيْفَ، وقَوْله تَعَالَى: {لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة: ١٢٢] . يُشِيرُ إلَى وُجُوبِ الْقَبُولِ وَالْعَمَلِ. فَأَمَّا الشَّاهِدُ الْوَاحِدُ فَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ عَلَيْهِ وُجُوبَ أَدَاءِ الشَّهَادَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يَنْفَعُ الْمُدَّعِيَ، وَرُبَّمَا يَضُرُّ بِالشَّاهِدِ بِأَنْ يُحَدَّ حَدَّ الْقَذْفِ إذَا كَانَ الْمَشْهُودُ بِهِ زِنًا، وَلَمْ يَتِمَّ نِصَابُ الشَّهَادَةِ.

وَهَذَا أَيْ الدَّلِيلُ عَلَى قَبُولِ خَبَرِ الْوَاحِدِ فِي كِتَابِ اللَّهِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ يُحْصَى مِنْهُ قَوْله تَعَالَى {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ} [النحل: ٤٣] . أَمَرَ بِسُؤَالِ أَهْلِ الذِّكْرِ، وَلَمْ يُفَرِّقْ بَيْنَ الْمُجْتَهِدِ وَغَيْرِهِ وَسُؤَالُ الْمُجْتَهِدِ لِغَيْرِهِ مُنْحَصِرٌ فِي طَلَبِ الْأَخْبَارِ بِمَا سَمِعَ دُونَ الْفَتْوَى، وَلَوْ لَمْ يَكُنْ الْقَبُولُ وَاجِبًا لَمَا كَانَ السُّؤَالُ وَاجِبًا.

وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاءَ لِلَّهِ} [النساء: ١٣٥] . أَمَرَ بِالْقِيَامِ بِالْقِسْطِ وَالشَّهَادَةِ لِلَّهِ، وَمَنْ أَخْبَرَ عَنْ الرَّسُولِ بِمَا سَمِعَهُ فَقَدْ قَامَ بِالْقِسْطِ وَشَهِدَ لِلَّهِ، وَكَانَ ذَلِكَ وَاجِبًا عَلَيْهِ بِالْأَمْرِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ وَاجِبًا لَوْ كَانَ الْقَبُولُ وَاجِبًا، وَإِلَّا كَانَ وُجُوبُ الشَّهَادَةِ كَعَدَمِهَا، وَهُوَ مُمْتَنِعٌ. وَمِنْهُ قَوْلُهُ جَلَّ جَلَالُهُ: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى} [البقرة: ١٥٩] . الْآيَةَ أَوْعَدَ عَلَى كِتْمَانِ الْهُدَى فَيَجِبُ عَلَى مَنْ سَمِعَ مِنْ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إظْهَارُهُ فَلَوْ لَمْ يَجِبْ عَلَيْنَا قَبُولُهُ لَكَانَ الْإِظْهَارُ كَعَدَمِهِ.، وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات: ٦] . أَمَرَ بِالتَّبَيُّنِ وَالتَّثَبُّتِ وَعَلَّلَ بِمَجِيءِ الْفَاسِقِ بِالْخَبَرِ إذْ تَرْتِيبُ الْحُكْمِ عَلَى الْوَصْفِ

<<  <  ج: ص:  >  >>