للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَفِي وُجُوهٍ أُخَرَ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعِهَا.

ــ

[كشف الأسرار]

وَالسُّنَّةِ وَمُعَارَضَةُ الْإِجْمَاعِ فِي حَقِّ هَذَا الْحُكْمِ وَقَوْلُهُ وَفِي وُجُوهٍ أُخَرَ ذَكَرْنَاهَا فِي مَوْضِعِهَا عَطْفٌ عَلَيْهِ أَيْ صَارَ مُعَارِضًا لِلْإِجْمَاعِ فِي هَذَا الْوَجْهِ وَفِي وُجُوهٍ أُخَرَ وَهِيَ مَا ذَكَرَ الشَّيْخُ فِي بَعْضِ مُصَنَّفَاتِهِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ حَدِيثَ الْمُصَرَّاةِ وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ مِنْ وُجُوهٍ: أَحَدُهَا أَنَّهُ أَوْجَبَ رَدَّ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ بِإِزَاءِ اللَّبَنِ وَاللَّبَنُ الَّذِي يُحْلَبُ بَعْدَ الشِّرَاءِ وَالْقَبْضِ لَا يَكُونُ مَضْمُونًا عَلَى الْمُشْتَرِي؛ لِأَنَّهُ فَرْعُ مِلْكِهِ الصَّحِيحِ فَلَا يُضْمَنُ بِالتَّعَدِّي لِعَدَمِ التَّعَدِّي.

وَلَا يُضْمَنُ بِالْعَقْدِ؛ لِأَنَّ ضَمَانَ الْعَقْدِ يَنْتَهِي بِالْقَبْضِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَضْمَنُ اللَّبَنَ الَّذِي يَحْدُثُ بَعْدَ الْقَبْضِ فَكَذَلِكَ اللَّبَنُ الَّذِي كَانَ حِينَ الْعَقْدِ ثُمَّ حُلِبَ بَعْدَ الْقَبْضِ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ الَّذِي كَانَ عِنْدَ الْعَقْدِ لَمْ يَكُنْ مَالًا؛ لِأَنَّهُ بَاطِلٌ كَالْحَبَلِ؛ وَإِنَّمَا يَصِيرُ مَالًا بِالْحَلْبِ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْعَقْدِ وَهُوَ فِي حُكْمِ مَا لَيْسَ بِمَالٍ فَيَصِيرُ بِمَنْزِلَةِ الْحَادِثِ بَعْدَ الْقَبْضِ وَيَصِيرُ كَالْكَسْبِ وَلَئِنْ كَانَ مَالًا كَانَ صِفَةً لِلشَّاةِ فَيُعْتَبَرُ مَالًا تَبَعًا كَالصُّوفِ فَلَا يَكُونُ لَهُ حِصَّةٌ مِنْ الثَّمَنِ مَا لَمْ يُزَايِلْ الْأَصْلَ وَلَوْ زَالَ قَبْلَ الْقَبْضِ بِآفَةٍ لَمْ يَسْقُطْ شَيْءٌ مِنْ الثَّمَنِ نَقْدًا فَكَذَا إذَا قُبِضَ وَالْوَصْفُ مُتَّصِلٌ بِالْأَصْلِ لَا يَصِيرُ حِصَّةً مِنْ الثَّمَنِ، وَلَا يَصِيرُ مَضْمُونًا وَلَئِنْ جَازَ أَنْ يُقَابِلَهُ ضَمَانٌ فَهُوَ ضَمَانُ الْعَقْدِ يَنْبَغِي أَنْ يُسْقِطَ مِنْ الْبَائِعِ حِصَّتَهُ مِنْ الثَّمَنِ كَمَا لَوْ اشْتَرَى شَيْئَيْنِ ثُمَّ رَدَّ أَحَدَهُمَا وَلَئِنْ كَانَ ضَمَانَ التَّعَدِّي وَجَبَ أَنْ يَضْمَنَ مِثْلَ اللَّبَنِ كَيْلًا أَوْ دَرَاهِمَ كَمَا قُلْنَا أَمَّا الصَّاعُ مِنْ التَّمْرِ بِلَا تَقْوِيمٍ قَلَّ اللَّبَنُ أَوْ كَثُرَ فَلَا وَجْهَ لَهُ فِي الشَّرْعِ وَمَعَ هَذَا كُلِّهِ ظَاهِرُهُ يَدُلُّ عَلَى تَوْقِيتِ خِيَارِ الْعَيْبِ وَهُوَ غَيْرُ مُوَقَّتٍ بِوَقْتٍ بِالْإِجْمَاعِ فَثَبَتَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِلْقِيَاسِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ فَوَجَبَ رَدُّهُ بِالْقِيَاسِ أَوْ حَمْلُهُ عَلَى تَأْوِيلٍ وَإِنْ بَعُدَ احْتِرَازًا عَنْ الرَّدِّ وَهُوَ أَنَّ الْخُصُومَةَ فِي شَاةٍ مُحَفَّلَةٍ فَنَدَبَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - الْبَائِعَ إلَى الِاسْتِرْدَادِ صُلْحًا لَا حُكْمًا فَأَبَى بِعِلَّةِ اللَّبَنِ فِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فَزَادَ النَّبِيُّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - بِذَلِكَ السَّبَبِ صَاعًا مِنْ تَمْرٍ فَقَبِلَ الْبَائِعُ الشَّاةَ وَالتَّمْرَ وَرَدَّ الثَّمَنَ صُلْحًا لَا حُكْمًا، وَكَانَ هَذَا شِرَاءً مُبْتَدَأً لَا حُكْمًا فَظَنَّ الرَّاوِي أَنَّهُ كَانَ حُكْمًا وَكَانُوا يَسْتَجِيزُونَ نَقْلَ الْخَبَرِ بِمَا عِنْدَهُمْ مِنْ الْمَعْنَى فَنَقَلَ عَلَى مَا ظَنَّ بِعِبَارَتِهِ فَإِنْ قِيلَ إنَّكُمْ حَمَلْتُمْ بِخَبَرِ الْقَهْقَهَةِ عَلَى مُخَالَفَةِ الْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ رَاوِيَهُ مَعْبَدٌ الْجُهَنِيُّ وَأَنَّهُ لَمْ يُعْرَفْ بِالْفِقْهِ بَيْنَ الصَّحَابَةِ فَخَبَرُ الْمُصَرَّاةِ أَوْلَى بِالْقَبُولِ وَالْعَمَلُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ أَثْبَتُ مَتْنًا وَأَقْوَى سَنَدًا وَرَاوِيهِ وَهُوَ أَبُو هُرَيْرَةَ أَعْلَى رُتْبَةً فِي الْعِلْمِ مِنْ مَعْبَدٍ.

قُلْنَا: قَدْ رَوَى خَبَرَ الْقَهْقَهَةِ كَثِيرٌ مِنْ الصَّحَابَةِ مِثْلُ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَجَابِرٍ وَأَنَسٍ وَعِمْرَانَ بْنِ الْحُصَيْنِ وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ وَعَمِلَ بِهِ كُبَرَاءُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ مِثْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عُمَرَ وَالْحَسَنِ وَإِبْرَاهِيمَ وَمَكْحُولٍ فَلِذَلِكَ وَجَبَ قَبُولُهُ وَتَقْدِيمُهُ عَلَى الْقِيَاسِ إلَيْهِ أُشِيرَ فِي الْأَسْرَارِ.

وَذَكَرَ الشَّيْخُ أَبُو الْفَضْلِ الْكَرْمَانِيُّ فِي إشَارَاتِ الْأَسْرَارِ أَنَّ بَعْضَ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ شَنَّعَ عَلَيْنَا وَنَسَبَ أَصْحَابَنَا إلَى الطَّعْنِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَمْثَالِهِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سُلُوكًا لِلْمُعَانَدَةِ؛ لِأَنَّا إنَّمَا نَتَّبِعُ الصَّحَابَةَ فَنَقُولُ: لَا إشْكَالَ أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ وَعَائِشَةَ مِنْ فُقَهَاءِ الصَّحَابَةِ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَكَانَا مُقَدَّمَيْنِ عَلَى أَبِي هُرَيْرَةَ فِي الْفِقْهِ وَالْفَتْوَى وَكَانَا لَا يَرَيَانِ تَرْكَ الْقِيَاسِ الْجَلِيِّ بِقَوْلِ أَبِي هُرَيْرَةَ فَإِنَّهُ رَوَى أَنَّ الْوُضُوءَ مِمَّا مَسَّتْهُ النَّارُ فَرَدَّ عَلَيْهِ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْقِيَاسِ وَلَمْ يَشْتَغِلْ

<<  <  ج: ص:  >  >>