للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ فِيهِ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ الْقِيَاسَ وَقَدْ رَدَّهُ غَيْرُهُ مِنْ الصَّحَابَةِ أَيْضًا

ــ

[كشف الأسرار]

إلَّا أَنَّهَا إذَا كَانَتْ حَامِلًا تَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ صِيَانَةً لِلْوَلَدِ وَحَضَانَةً لَهُ كَمَا بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بِالْوِلَادَةِ إذَا كَانَتْ تُرْضِعُهُ وَعُلَمَاؤُنَا قَالُوا إنَّهَا مُحْتَبَسَةٌ بِحَقِّ نِكَاحِهِ فَتَسْتَحِقُّ النَّفَقَةَ كَالْحَامِلِ وَالْمُطَلَّقَةِ الرَّجْعِيَّةِ وَكَمَا تَسْتَحِقُّ السُّكْنَى فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا حَقٌّ مَالِيٌّ مُسْتَحَقٌّ لَهَا بِالنِّكَاحِ، وَالْعِدَّةُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النِّكَاحِ فَكَمَا يَبْقَى بِاعْتِبَارِ هَذَا الْحَقِّ مَا كَانَ لَهَا مِنْ اسْتِحْقَاقِ السُّكْنَى فَكَذَلِكَ النَّفَقَةُ وَلِأَنَّ فِي قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَسْكِنُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ سَكَنْتُمْ وَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ مِنْ وُجْدِكُمْ وَقَدْ بَيَّنَّا فِيمَا تَقَدَّمَ أَنَّ بِقِرَاءَتِهِ يُزَادُ عَلَى الْكِتَابِ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ النَّفَقَةَ مُسْتَحَقَّةٌ لَهَا بِسَبَبِ الْعِدَّةِ وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنَّ أُولاتِ حَمْلٍ فَأَنْفِقُوا عَلَيْهِنَّ} [الطلاق: ٦] لِإِزَالَةِ إشْكَالٍ كَانَ يَقَعُ عَسَى، فَإِنَّ مُدَّةَ الْحَمْلِ تَطُولُ عَادَةً فَكَانَ يُشْكِلُ أَنَّهَا هَلْ تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ بِسَبَبِ الْعِدَّةِ فِي مُدَّةِ الْحَمْلِ وَإِنْ طَالَتْ فَأَزَالَ اللَّهُ تَعَالَى هَذَا الْإِشْكَالَ بِقَوْلِهِ {حَتَّى يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ} [الطلاق: ٦] .

وَأَمَّا حَدِيثُ فَاطِمَةَ فَقَدْ ذَكَرَ فِي الْأَسْرَارِ أَنَّ الزِّيَادَةَ الْمَذْكُورَةَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ «لَا نَفَقَةَ لَك إلَّا أَنْ تَكُونِي حَامِلًا» غَيْرُ ثَابِتَةٍ فِي مَوْضِعٍ يُعْتَمَدُ عَلَيْهِ مِنْ الْكُتُبِ وَالرِّوَايَاتِ وَأَمَّا مَتْنُ الْحَدِيثِ فَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ حِينَ رُوِيَ لَهُ هَذَا الْحَدِيثُ لَا نَدَعُ كِتَابَ رَبِّنَا، وَلَا سُنَّةَ نَبِيِّنَا بِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي أَصَدَقَتْ أَمْ كَذَبَتْ أَحَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ فَهَذَا مِنْ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - طَعْنٌ مَقْبُولٌ فَإِنَّهُ أَخْبَرَ أَنَّهَا مُتَّهَمَةٌ بِالْكَذِبِ وَالْغَفْلَةِ وَالنِّسْيَانِ ثُمَّ أَخْبَرَ أَنَّهُ وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَسُنَّةِ رَسُولِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَفَقَةً لِهَذِهِ الْمُعْتَدَّةِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ إنَّهُ أَرَادَ بِقَوْلِهِ كِتَابَ رَبِّنَا وَسُنَّةَ نَبِيِّنَا الْقِيَاسَ الصَّحِيحَ فَإِنَّهُ ثَابِتٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذْ لَوْ كَانَ الْمُرَادُ عَيْنَ النَّصِّ لَتَلَاهُ وَلَرَوَى السُّنَّةَ فَيَكُونُ بَيَانًا أَنَّهُ وَرَدَ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ فَلَا يُقْبَلُ إلَّا أَنْ يَكُونَ مَشْهُورًا أَوْ الرَّاوِي فَقِيهًا.

وَأَشَارَ أَبُو جَعْفَرٍ الطَّحَاوِيُّ فِي شَرْحِ الْآثَارِ إلَى أَنَّهُ أَرَادَ مِنْ الْكِتَابِ قَوْله تَعَالَى {لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلا يَخْرُجْنَ} [الطلاق: ١] الْآيَةَ وَمِنْ السُّنَّةِ مَا قَالَ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ «لَهَا السُّكْنَى وَالنَّفَقَةُ» وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ مَا لِفَاطِمَةَ إلَّا تَتَّقِي اللَّهَ تَعْنِي فِي قَوْلِهَا لَا سُكْنَى، وَلَا نَفَقَةَ وَكَانَتْ تَقُولُ تِلْكَ امْرَأَةٌ فَتَنَتْ الْعَالِمَ وَعَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ زَوْجِهَا أَنَّهَا إذَا ذَكَرَتْ مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا رَمَاهَا بِكُلِّ شَيْءٍ تَنَالُهُ يَدُهُ وَقَالَ أَبُو سَلَمَةَ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْكَرَ النَّاسُ عَلَى فَاطِمَةَ مَا كَانَتْ تُحَدِّثُ بِهِ مِنْ خُرُوجِهَا قَبْلَ أَنْ تَحِلَّ

وَعَنْ أَبِي إِسْحَاقَ قَالَ كُنْت جَالِسًا مَعَ الْأَسْوَدِ فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصْبَاءَ فَقَالَ وَيْلَك تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا. وَرَدَّهُ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيُّ وَالثَّوْرِيُّ وَمَرْوَانُ بْنُ الْحَكَمِ وَهُوَ أَمِيرٌ بِالْمَدِينَةِ وَرَدُّ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ بِحَضْرَةِ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَرَضِيَ عَنْهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيْهِ أَحَدٌ فَدَلَّ تَرْكُهُمْ النَّكِيرَ عَلَى أَنَّ مَذْهَبَهُمْ فِيهِ كَمَذْهَبِهِ وَقِيلَ لِسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ: أَيْنَ تَعْتَدُّ الْمُطَلَّقَةُ ثَلَاثًا؟ فَقَالَ فِي بَيْتِهَا فَذَكَرَ لَهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ فَقَالَ تِلْكَ الْمَرْأَةُ فَتَنَتْ النَّاسَ إنَّهَا اسْتَطَالَتْ عَلَى أَحْمَائِهَا فَأَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنْ تَعْتَدَّ فِي بَيْتِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَعَنْ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - أَنَّهَا قَالَتْ لِفَاطِمَةَ إنَّمَا لَمْ يَقْضِ لَك بِالنَّفَقَةِ؛ لِأَنَّك كُنْت نَاشِزَةً أَوْ تَأْوِيلُهُ أَنَّ زَوْجَهَا كَانَ غَائِبًا وَوَكَّلَ أَخَاهُ بِالنَّفَقَةِ

<<  <  ج: ص:  >  >>