. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[كشف الأسرار]
فَأَشَارَ الشَّيْخُ إلَى ضَعْفِ هَذَا الدَّلِيلِ وَقَالَ لَيْسَ الْإِسْلَامُ بِشَرْطٍ لِثُبُوتِ الصِّدْقِ إذْ الْكُفْرُ لَا يُنَافِي الصِّدْقَ؛ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا كَانَ مُتَرَهِّبًا عَدْلًا فِي دِينِهِ مُعْتَقِدًا لِحُرْمَةِ الْكَذِبِ تَقَعُ الثِّقَةُ بِخَبَرِهِ كَمَا لَوْ أَخْبَرَ عَنْ أَمْرٍ مِنْ أُمُورِ الدُّنْيَا بِخِلَافِ الْفَاسِقِ فَإِنَّ جُرْأَتَهُ عَلَى فِعْلِ الْمُحَرَّمَاتِ مَعَ اعْتِقَادِ تَحْرِيمِهَا تُزِيلُ الثِّقَةَ عَنْ خَبَرِهِ وَلَكِنَّ اشْتِرَاطَ الْإِسْلَامِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْكُفْرَ يُورِثُ تُهْمَةً زَائِدَةً فِي خَبَرِهِ يَدُلُّ عَلَى كَذِبِهِ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي تَثْبُتُ بِهَا أَحْكَامُ الشَّرْعِ وَهُمْ يُعَادُونَنَا فِي الدِّينِ أَشَدَّ الْعَدَاوَةِ فَتَحْمِلُهُمْ الْمُعَادَاةُ عَلَى السَّعْيِ فِي هَدْمِ أَرْكَانِ الدِّينِ بِإِدْخَالِ مَا لَيْسَ مِنْهُ فِيهِ وَإِلَيْهِ أَشَارَ اللَّهُ تَعَالَى فِي قَوْلِهِ عَزَّ ذِكْرُهُ {لا يَأْلُونَكُمْ خَبَالا} [آل عمران: ١١٨] أَيْ لَا يُقَصِّرُونَ فِي الْإِفْسَادِ عَلَيْكُمْ وَقَدْ ظَهَرَ مِنْهُمْ هَذَا بِطَرِيقِ الْكِتْمَانِ فَإِنَّهُمْ كَتَمُوا نَعْتَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَثُبُوتَهُ مِنْ كِتَابِهِمْ بَعْدَمَا أُخِذَ عَلَيْهِمْ الْمِيثَاقُ بِإِظْهَارِ ذَلِكَ فَلَا يُؤْمَنُ مِنْ أَنْ يَقْصِدُوا مِثْلَ ذَلِكَ بِزِيَادَةٍ هِيَ كَذِبٌ لَا أَصْلَ لَهُ بِطَرِيقِ الرِّوَايَةِ بَلْ هَذَا هُوَ الظَّاهِرُ فَلِهَذَا شَرَطْنَا الْإِسْلَامَ فِي الرَّاوِي فَتَبَيَّنَ بِهَذَا أَنَّ رَدَّ خَبَرَ الْكَافِرِ لَيْسَ لِعَيْنِ الْكُفْرِ بَلْ لِمَعْنًى زَائِدٍ: تَمَكُّنُ تُهْمَةُ الْكَذِبِ فِي خَبَرِهِ وَهُوَ الْمُعَادَاةُ بِمَنْزِلَةِ شَهَادَةِ الْأَبِ لِوَلَدِهِ فَإِنَّهَا لَا تُقْبَلُ لِمَعْنًى زَائِدٍ: تَمَكُّنُ تُهْمَةُ الْكَذِبِ فِي شَهَادَتِهِ وَهُوَ الشَّفَقَةُ وَالْمَيْلُ إلَى الْوَلَدِ طَبْعًا وَذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ أَنَّ الِاعْتِمَادَ فِي رَدِّ رِوَايَةِ الْكَافِرِ عَلَى الْإِجْمَاعِ الْمُنْعَقِدِ عَلَى سَلْبِ أَهْلِيَّةِ هَذَا الْمَنْصِبِ فِي الدِّينِ عَنْ الْكَافِرِ لِخِسَّتِهِ.
وَإِنْ كَانَ عَدْلًا فِي دِينِ نَفْسِهِ؛ وَلِهَذَا أَيْ وَلِثُبُوتِ التُّهْمَةِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَةُ الْكَافِرِ عَلَى الْمُسْلِمِ؛ لِأَنَّ الْعَدَاوَةَ رُبَّمَا تَحْمِلُهُمْ عَلَى الْقَصْدِ إلَى الْإِضْرَارِ بِالْمُسْلِمِ بِشَهَادَةِ الزُّورِ كَمَا لَا تُقْبَلُ شَهَادَةُ ذِي الضَّغَنِ لِظُهُورِ عَدَاوَتِهِ بِسَبَبٍ بَاطِلٍ وَقَبِلْنَا شَهَادَةَ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ لِانْتِفَاءِ هَذِهِ التُّهْمَةِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ثُمَّ أَشَارَ إلَى مَعْنًى آخَرَ لِرَدِّ شَهَادَتِهِ بِقَوْلِهِ وَلِانْقِطَاعِ الْوِلَايَةِ يَعْنِي لَوْ لَمْ تَكُنْ هَذِهِ التُّهْمَةُ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ عَلَى الْمُسْلِمِ أَيْضًا؛ لِأَنَّ الشَّهَادَةَ مِنْ بَابِ الْوِلَايَةِ وَانْقَطَعَتْ وِلَايَةُ الْكَافِرِ عَنْ الْمُسْلِمِ شَرْعًا بِقَوْلِهِ عَزَّ اسْمُهُ {وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلا} [النساء: ١٤١] .
وَاعْلَمْ أَنَّ حَاصِلَ الشُّرُوطِ الْأَرْبَعَةِ، وَإِنْ كَانَ يَرْجِعُ إلَى اثْنَيْنِ وَهُمَا الضَّبْطُ وَالْعَدَالَةُ؛ لِأَنَّ الضَّبْطَ بِدُونِ الْعَقْلِ لَا يُتَصَوَّرُ وَكَذَا الْعَدَالَةُ بِدُونِ الْإِسْلَامِ؛ لِأَنَّ تَفْسِيرَهَا الِاسْتِقَامَةُ فِي الدِّينِ وَهِيَ بِدُونِ الْإِسْلَامِ لَا تُوجَدُ؛ وَلِهَذَا قَالَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ: مَلَاكُ الْأَمْرِ شَيْئَانِ صِدْقُ اللَّهْجَةِ وَجَوْدَةُ الضَّبْطِ لِمَا يَرْوِيهِ إلَّا أَنَّ عَامَّتَهُمْ لَمَّا رَأَوْا الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ الْعَقْلِ وَالضَّبْطِ وَبَيْنَ الْعَدَالَةِ وَالْإِسْلَامِ مِنْ حَيْثُ إنَّ الْعَقْلَ لَا يَسْتَلْزِمُ الضَّبْطَ وَالْإِسْلَامَ لَا يَسْتَلْزِمُ الْعَدَالَةَ فَصَلُوا بَيْنَهَا وَجَعَلُوا كُلَّ وَاحِدٍ شَرْطًا عَلَى حِدَةٍ وَلِأَنَّهُمْ لَوْ ذَكَرُوا الضَّبْطَ وَلَمْ يَذْكُرُوا الْعَقْلَ لَا يَحْصُلُ الِاحْتِرَازُ عَنْ رِوَايَةِ الصَّبِيِّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ لَهُ الضَّبْطُ الْكَامِلُ كَالْبَالِغِ إلَّا أَنْ يُجْعَلَ الضَّبْطُ الْكَامِلُ مُتَوَقِّفًا عَلَى الْعَقْلِ الْكَامِلِ وَهُوَ بَعِيدٌ وَلَوْ اقْتَصَرُوا عَلَى ذِكْرِ الْعَدَالَةِ رُبَّمَا لَا يَحْصُلُ الِاحْتِرَازُ عَنْ رِوَايَةِ الْكَافِرِ فَإِنَّ الْكَافِرَ قَدْ يُوصَفُ بِالْعَدَالَةِ لِاسْتِقَامَتِهِ عَلَى مُعْتَقَدِهِ وَيُسَمَّى مُعْتَقَدُهُ دِينًا.
وَإِنْ كَانَ بَاطِلًا؛ وَلِهَذَا يَسْأَلُ الْقَاضِي عَنْ عَدَالَةِ الْكَافِرِ إذَا شَهِدَ عَلَى كَافِرٍ آخَرَ عِنْدَ طَعْنِ الْخَصْمِ فَثَبَتَ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْكُلِّ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ -
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute