بِزِيَادَةِ مُمَاثَلَةٍ هِيَ نَاسِخَةٌ لِلْمَشْهُورِ، بِاعْتِبَارِ جَوْدَةٍ لَيْسَتْ مِنْ الْمِقْدَارِ
ــ
[كشف الأسرار]
أَحَدِهِمَا وَرُطُوبَةِ الْآخَرِ جَازَ الْعَقْدُ فَالتَّقْيِيدُ بِاشْتِرَاطِ الْمُمَاثَلَةِ فِي أَعْدِلْ الْأَحْوَالِ، وَهُوَ حَالُ يُبُوسَتِهِمَا كَمَا هُوَ مُقْتَضَى حَدِيثِ سَعْدٍ مُتَضَمِّنٌ لِنَسْخِ ذَلِكَ الْإِطْلَاقِ فَلَا يَجُوزُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ بِزِيَادَةِ مُمَاثَلَةٍ هِيَ نَاسِخَةٌ لِلْمَشْهُورِ وَالْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ أَيْ الْمُخَالَفَةُ بِسَبَبِ اقْتِضَائِهِ زِيَادَةَ مُمَاثَلَةٍ لَا يَقْتَضِيهَا الْخَبَرُ الْمَشْهُورُ وَهِيَ الْمُسَاوَاةُ فِي حَالَةِ الْجَفَافِ، وَالْبَاءُ فِي بِاعْتِبَارِ جَوْدَةٍ مُتَعَلِّقَةٍ بِالزِّيَادَةِ أَيْ اشْتِرَاطُ تِلْكَ الزِّيَادَةِ بِاعْتِبَارِ جَوْدَةٍ وُجِدَتْ فِي أَحَدِهِمَا وَفُقِدَتْ فِي الْآخَرِ لَا بِاعْتِبَارِ زِيَادَةٍ فِي الْقَدْرِ فِي أَحَدِهِمَا دُونَ الْآخَرِ وَذَلِكَ لِأَنَّ لِلتَّمْرِ فَضْلَ جَوْدَةٍ عَلَى الرُّطَبِ مِنْ حَيْثُ الِادِّخَارُ مِنْ غَيْرِ انْتِقَاصٍ وَلَكِنْ لَا تَفَاوُتَ بَيْنَهُمَا مِنْ حَيْثُ الْإِجْزَاءُ؛ لِأَنَّ لِلتَّمْرِ إنْ كَانَ فَضْلُ اكْتِنَازٍ فَفِي الرُّطَبِ فَضْلُ رُطُوبَةٍ هِيَ مَقْصُودَةٌ شَاغِلَةٌ لِلْكَيْلِ لَا يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا إلَّا بَعْدَ ذَهَابِهَا بِالْجَفَافِ، وَقَدْ عَرَفْت أَنَّ الْفَضْلَ وَالْمُسَاوَاةَ فِي الْجَوْدَةِ سَاقِطَا الِاعْتِبَارِ شَرْعًا إنَّمَا الْمُعْتَبَرُ الْمُسَاوَاةُ وَالْفَضْلُ قَدْرًا فَكَيْفَ يَصْلُحُ اعْتِبَارُ الْمُمَاثَلَةِ الرَّاجِعَةِ إلَى الْجَوْدَةِ نَاسِخًا لِمَا ثَبَتَ بِالْحَدِيثِ الْمَشْهُورِ.
وَقَوْلُهُ لَيْسَتْ مِنْ الْمِقْدَارِ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ احْتِرَازًا عَنْ فَوَاتِ الْمُمَاثَلَةِ بِاعْتِبَارِ الْقَلْيِ؛ فَإِنَّ بِالْقَلْيِ يَنْتَفِخُ الْحَبَّاتُ إذَا كَانَتْ رَطْبَةً وَتَضْمُرُ إذَا قُلِيَتْ يَابِسَةً فَلَا تُسَاوِي الْمَقْلِيَّةُ فِي الدُّخُولِ فِي الْكَيْلِ غَيْرَ الْمَقْلِيَّةِ بِاعْتِبَارِ الِانْتِفَاخِ وَالضُّمُورِ وَهَذَا التَّفَاوُتُ رَجَعَ إلَى الْقَدْرِ فَيَجُوزُ أَنْ يُؤَثِّرَ فِي مَنْعِ الْجَوَازِ وَذَكَرَ فِي مُخْتَصَرِ التَّقْوِيمِ أَنَّ الْحَدِيثَ الْمَشْهُورَ يُوجِبُ أَحْكَامًا ثَلَاثَةً: أَحَدُهَا: وُجُوبُ الْمُمَاثَلَةِ شَرْطًا لِلْجَوَازِ فَيَجُوزُ الْبَيْعُ حَالَ وُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ بِهَذَا النَّصِّ.
وَالثَّانِي: أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِ فَضْلٍ قَائِمٍ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ الْفَضْلُ عَلَى الذَّاتِ.
وَالثَّالِثُ: الْفَضْلُ الَّذِي يَنْعَدِمُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ يُخَالِفُهُ فِي هَذِهِ الْأُمُورِ الثَّلَاثَةِ؛ لِأَنَّهُ أَوْجَبَ حُرْمَةَ الْبَيْعِ حَالَ وُجُودِ الْمُمَاثَلَةِ فِي الْمِعْيَارِ وَأَوْجَبَ حُرْمَةَ فَضْلٍ لَا يَنْعَدِمُ بِهِ الْمُمَاثَلَةُ؛ لِأَنَّ الْمُمَاثَلَةَ شَرْطٌ لِلْجَوَازِ حَالَةَ الْعَقْدِ وَالْفَضْلُ الَّذِي يُوجَدُ بَعْدَ الْجَفَافِ لَا يُعْدِمُ الْمُمَاثَلَةَ الْمَوْجُودَةَ حَالَ الْعَقْدِ وَهَذَا الْفَضْلُ مَوْهُومٌ غَيْرُ قَائِمٍ حَالَ الْعَقْدِ فَإِذَا خَالَفَ الْمَشْهُورَ فِي هَذِهِ الْأَحْكَامِ لَمْ يُقْبَلْ. وَالثَّانِي أَنَّهُ غَيْرُ ثَابِتٍ عَلَى مَا حُكِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَمَّا دَخَلَ بَغْدَادَ سَأَلُوهُ عَنْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَكَانُوا أَشِدَّاءَ عَلَيْهِ لِمُخَالَفَتِهِ الْخَبَرَ فَقَالَ: الرُّطَبُ لَا يَخْلُو مِنْ أَنْ يَكُونَ تَمْرًا أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنْ كَانَ تَمْرًا جَازَ الْعَقْدُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «التَّمْرُ بِالتَّمْرِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ تَمْرًا جَازَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَ النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» فَأَوْرَدَ عَلَيْهِ حَدِيثَ سَعْدٍ فَقَالَ: هَذَا الْحَدِيثُ دَارَ عَلَى زَيْدٍ أَبِي عَيَّاشٍ وَهُوَ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ وَاسْتَحْسَنَ أَهْلُ الْحَدِيثِ مِنْهُ هَذَا الطَّعْنَ حَتَّى قَالَ ابْنُ الْمُبَارَكِ: كَيْفَ يُقَالُ: أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَعْرِفُ الْحَدِيثَ وَهُوَ يَقُولُ زَيْدٌ أَبُو عَيَّاشٍ مِمَّنْ لَا يُقْبَلُ حَدِيثُهُ؟ ، كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَلَكِنْ يَرِدُ عَلَيْهِ أَنَّ الْحِنْطَةَ الْمَقْلِيَّةَ إنْ كَانَتْ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ بَيْعُهَا بِغَيْرِ الْمَقْلِيَّةِ كَيْلًا بِكَيْلٍ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «الْحِنْطَةُ بِالْحِنْطَةِ مِثْلٌ بِمِثْلٍ» وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حِنْطَةً يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ أَيْضًا لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إذَا اخْتَلَفَا النَّوْعَانِ فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ» وَالْحُكْمُ بِخِلَافِهِ، وَلِهَذَا قَالَ الْقَاضِي الْإِمَامُ فِي الْأَسْرَارِ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي الْمَبْسُوطِ مَا ذَكَرَ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - حَسَنٌ فِي الْمُنَاظَرَاتِ لِدَفْعِ الْخَصْمِ وَلَكِنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ بِهِ لِجَوَازِ قِسْمٍ ثَالِثٍ كَمَا فِي الْحِنْطَةِ الْمَقْلِيَّةِ مَعْنَاهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الرُّطَبُ قِسْمًا ثَالِثًا لَا يَكُونُ تَمْرًا مُطْلَقًا لِفَوَاتِ وَصْفِ الْيُبُوسَةِ عَنْهُ وَلَا يَكُونُ غَيْرَهُ مُطْلَقًا لِبَقَاءِ أَجْزَائِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute