الْخَطَأِ، وَالْحَاكِي يَحْتَمِلُ النِّسْيَانَ بِأَنْ سَمِعَ غَيْرَهُ فَنَسِيَهُ وَهُمَا فِي الِاحْتِمَالِ عَلَى
ــ
[كشف الأسرار]
وَلَمْ يَحْمِلْهُ الْمُحَدِّثُ وَلَمْ يَعْلَمْ بِسَمَاعِهِ حَلَّ لِلسَّامِعِ الرِّوَايَةُ عَنْهُ فَإِذَا أَنْكَرَهَا وَالْمُدَّعِي مُصَدَّقٌ فِي حَقِّ نَفْسِهِ بَقِيَ السَّمَاعُ فَحَلَّ لَهُ الرِّوَايَةُ كَذَا فِي شَرْحِ التَّقْوِيمِ، وَاحْتَجَّ مَنْ رَدَّهُ بِمَا رُوِيَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ أَنَّهُ قَالَ لِعُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَكَانَ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ - أَمَا تَذْكُرُ إذْ كُنَّا فِي إبِلٍ يَعْنِي إبِلَ الصَّدَقَةِ وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ فِي سَرِيَّةٍ فَأَجْنَبْتُ فَتَمَعَّكْت فِي التُّرَابِ أَيْ تَمَرَّغْت فَصَلَّيْت فَذَكَرْت ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ «إنَّمَا يَكْفِيَك أَنْ تَضْرِبَ بِيَدَيْكَ الْأَرْضَ ثُمَّ تَمْسَحَ بِهِمَا وَجْهَك وَذِرَاعَيْك» فَلَمْ يَرْفَعْ عُمَرُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - رَأْسَهُ وَلَمْ يَقْبَلْ رِوَايَتَهُ مَعَ أَنَّهُ كَانَ عَدْلًا؛ لِأَنَّهُ رَوَى عَنْهُ شُهُودٌ الْحَادِثَةَ وَلَمْ يَتَذَكَّرْ هُوَ مَا رَوَاهُ وَكَانَ لَا يَرَى التَّيَمُّمَ لِلْجُنُبِ بَعْدَ ذَلِكَ، وَبِأَنَّ بِتَكْذِيبِ الْعَادَةِ يُرَدُّ الْحَدِيثُ بِأَنْ كَانَ الْخَبَرُ غَرِيبًا فِي حَادِثَةٍ مَشْهُورَةٍ فَبِتَكْذِيبِ الرَّاوِي أَوْلَى؛ لِأَنَّ تَكْذِيبَهُ أَدَلُّ عَلَى الْوَهْنِ مِنْ تَكْذِيبِ الْعَادَةِ؛ لِأَنَّهُ يَدُورُ عَلَيْهِ وَهُوَ تَكْذِيبٌ صَرِيحًا وَذَلِكَ تَكْذِيبٌ دَلَالَةً وَالصَّرِيحُ رَاجِحٌ عَلَى الدَّلَالَةِ، وَحَقِيقَةُ الْمَعْنَى فِيهِ أَنَّ الْخَبَرَ إنَّمَا يَكُونُ حُجَّةً وَمَعْمُولًا بِهِ بِالِاتِّصَالِ بِالرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِإِنْكَارِ الرَّاوِي يَنْقَطِعُ الِاتِّصَالُ؛ لِأَنَّ إنْكَارَهُ حُجَّةٌ فِي حَقِّهِ فَيَنْتَفِي بِهِ رِوَايَةُ الْحَدِيثِ أَوْ يَصِيرُ هُوَ مُنَاقِضًا بِإِنْكَارِهِ وَمَعَ التَّنَاقُضِ لَا تَثْبُتُ الرِّوَايَةُ وَبِدُونِ الرِّوَايَةِ لَا يَثْبُتُ الِاتِّصَالُ فَلَا يَكُونُ حُجَّةً كَمَا فِي الشَّهَادَةِ عَلَى الشَّهَادَةِ، وَبِأَنَّهُ إذَا لَمْ يَتَذَكَّرْ بِالتَّذْكِيرِ كَانَ مُغَفَّلًا وَرِوَايَةُ الْمُغَفَّلِ لَا تُقْبَلُ، وَبِأَنَّ أَكْثَرَ مَا فِي الْبَابِ أَنْ يُصَدَّقَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا فِي حَقِّ نَفْسِهِ فَيَحِلُّ لِلرَّاوِي أَنْ يَعْمَلَ بِهِ وَلَا يَحِلُّ لِغَيْرِهِ لِتَحَقُّقِ الِانْقِطَاعِ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بِتَكْذِيبِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ وَأَمَّا حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ فَلَيْسَ بِحُجَّةٍ؛ لِأَنَّهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - تَذَكَّرَ أَنَّهُ تَرَكَ الشَّفْعَ مِنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ مَعْصُومٌ عَنْ التَّقْرِيرِ عَلَى الْخَطَأِ يُعْمَلُ بِعِلْمِهِ لَا بِإِخْبَارِ أَحَدٍ.
أَلَا يُرَى أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَتَذَكَّرْ وَاحِدٌ بِقَوْلِهِمَا لَكَانَ هَذَا تَقْلِيدًا مِنْهُ فَإِنَّهُ لَمَّا لَمْ يَتَذَكَّرْ لَا يَحْصُلُ لَهُ الْعِلْمُ وَالْعَمَلُ بِدُونِ الْعِلْمِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ الْغَيْرِ تَقْلِيدًا وَتَقْلِيدُهُ لِلْأَنْبِيَاءِ غَيْرُ جَائِزٍ فَكَيْفَ يَجُوزُ لِغَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، أَوْ تَذَكَّرَ غَفْلَتَهُ عَنْ حَالِهِ لِشَغْلِ.
قَلْبٍ اعْتَرَضَ فَيُعْرَفُ عَنْ غَيْرِهِ، وَعَلَى هَذَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ فِي الْخَبَرِ إنَّ رَاوِيَ الْأَصْلِ يَنْظُرُ فِي نَفْسِهِ فَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ يَمِيلُ إلَى غَلَبَةِ نِسْيَانٍ أَوْ كَانَتْ عَادَتُهُ ذَلِكَ فِي مَحْفُوظَاتِهِ قَبْلَ رِوَايَةِ غَيْرِهِ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ رَأْيُهُ يَمِيلُ إلَى جَهْلِهِ أَصْلًا بِذَلِكَ الْخَبَرِ رَدَّهُ وَقَلَّمَا يَنْسَى الْإِنْسَانُ شَيْئًا ضَبَطَهُ نِسْيَانًا لَا يَتَذَكَّرُ بِالتَّذْكِيرِ وَالْأُمُورُ تُبْنَى عَلَى الظَّوَاهِرِ لَا عَلَى النَّوَادِرِ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ قَوْلُهُ (وَالْحَاكِي يَحْتَمِلُ النِّسْيَانَ) جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِمْ النِّسْيَانُ مُحْتَمَلٌ مِنْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ يَعْنِي كَمَا يُتَوَهَّمُ نِسْيَانُ الْأَصْلِ بَعْدَ الْمَعْرِفَةِ يُتَوَهَّمُ نِسْيَانُ الْفَرْعِ وَغَلَطُهُ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ قَدْ يَسْمَعُ حَدِيثًا فَيَحْفَظُهُ وَلَا يَحْفَظُ مَنْ سَمِعَ مِنْهُ وَيَظُنُّ أَنَّهُ سَمِعَهُ مِنْ فُلَانٍ، وَقَدْ سَمِعَهُ مِنْ غَيْرِهِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَثْبُتُ الْمُعَارَضَةُ لِتَسَاوِيهِمَا فِي الِاحْتِمَالِ فَلَمْ يَثْبُتْ أَحَدُهُمَا، يَدُلُّ عَلَيْهِ أَنَّ الْإِنْسَانَ كَمَا يَعْلَمُ بِسَمَاعِهِ عَنْ أَمْرِ يَقِينٍ يَعْلَمُ بِتَرْكِهِ الرِّوَايَةَ عَنْ سَبَبِ يَقِينٍ فَلَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا بِوَجْهٍ كَذَا فِي التَّقْوِيمِ أَيْضًا، لَكِنَّ هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا كَانَ إنْكَارُ الْأَصْلِ إنْكَارَ جُحُودٍ وَالْخُصُومُ قَدْ سَلَّمُوا فِيهِ أَنَّهُ مَرْدُودٌ فَأَمَّا إذَا كَانَ إنْكَارُهُ إنْكَارَ مُتَوَقِّفٍ وَهُوَ الَّذِي وَقَعَ التَّنَازُعُ فِيهِ فَلَا يَسْتَقِيمُ؛ لِأَنَّ الْفَرْعَ عَدْلٌ جَازِمٌ بِرِوَايَتِهِ عَنْ الْأَصْلِ وَالْأَصْلُ لَيْسَ بِمُكَذِّبٍ لَهُ؛ لِأَنَّهُ يَقُولُ لَا أَدْرِي فَلَا يَكُونُ الِاحْتِمَالُ فِي الْفَرْعِ مِثْلُ الِاحْتِمَالِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute