تَفْسِيرٍ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ عَنْ الرَّاوِي لَا بَأْسَ بِهِ صِيَانَةً عَنْ الطَّعْنِ فِيهِ وَصِيَانَةً لِلطَّاعِنِ وَاخْتِصَارًا وَلَيْسَ كُلُّ مَنْ اُتُّهِمَ مِنْ وَجْهٍ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ حَدِيثِهِ وَمِثْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ مَعَ جَلَالِ قَدْرِهِ وَتَقَدُّمِهِ فِي الْعِلْمِ وَالْوَرَعِ وَتَسْمِيَتِهِ ثِقَةً شَهَادَةً بِعَدَالَتِهِ فَأَنَّى يَصِيرُ جَرْحًا، وَوَجْهُ الْكِنَايَةِ أَنَّ الرَّجُلَ قَدْ يُطْعَنُ فِيهِ بِبَاطِلٍ فَيَحِقُّ صِيَانَتُهُ
ــ
[كشف الأسرار]
غَيْرُهُ عَلَى جَرْحِهِ بِمَا هُوَ جَارِحٌ عِنْدَهُ أَوْ بِالْإِجْمَاعِ فَيَحْتَاجُ إلَى أَنْ يُسَمِّيَهُ حَتَّى يُعْرَفَ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ إنْ كَانَ الْقَائِلُ لِذَلِكَ عَالِمًا أَجْزَأَ ذَلِكَ فِي حَقِّ مَنْ يُوَافِقُهُ فِي مَذْهَبِهِ وَإِنْ لَمْ يُوَافِقْهُ لَا يَكْفِي، وَعِنْدَنَا يَكْفِي ذَلِكَ فِي حَقِّ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ لَا يَحْكُمُ عَلَى أَحَدٍ بِكَوْنِهِ ثِقَةً إلَّا بَعْدَ تَحَقُّقِ عَدَالَتِهِ وَالتَّفَحُّصِ عَنْ أَسْبَابِهَا فَيُقْبَلُ هَذَا مِنْهُ كَمَا لَوْ سَمَّاهُ.
وَقَالَ هُوَ ثِقَةٌ أَوْ عَدْلٌ مِنْ غَيْرِ بَيَانِ سَبَبٍ؛ (لِأَنَّ الْكِنَايَةَ عَنْ الرَّاوِي) يَعْنِي طَعْنَهُمْ بِكَذَا لَا يَصْلُحُ لِلْجَرْحِ؛ لِأَنَّ الْكِنَايَةَ عَنْ الرَّاوِي أَيْ عَنْ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ كَمَا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِكَوْنِ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ مُتَّهَمًا تَحْتَمِلُ أَنْ تَكُونَ لِأَجْلِ صِيَانَتِهِ عَنْ الطَّعْنِ الْبَاطِلِ فِيهِ وَلِأَجْلِ صِيَانَةِ الطَّاعِنِ وَهُوَ السَّامِعُ عَنْ الْوُقُوعِ فِي الْغِيبَةِ وَالْمَذَمَّةِ لِمُسْلِمٍ مِنْ غَيْرِ حُجَّةٍ ثُمَّ هَذِهِ الْكِنَايَةُ وَإِنْ كَانَتْ مَذْمُومَةً لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ فَهِيَ لِلْمَعْنَى الثَّانِي أَمْرٌ لَا بَأْسَ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ بِدَلَالَةِ عَدَالَةِ الرَّاوِي، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّهُ كَنَّى لِلْمَعْنَى الْأَوَّلِ وَهُوَ كَوْنُ الْمَرْوِيِّ عَنْهُ مُتَّهَمًا، فَلَيْسَ كُلُّ مَنْ اُتُّهِمَ مِنْ وَجْهٍ مَا يَسْقُطُ بِهِ كُلُّ حَدِيثِهِ أَيْ لَيْسَ كُلُّ اتِّهَامٍ مَا يَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ رِوَايَةِ الرَّاوِي إذْ الْأَسْبَابُ الْمُوجِبَةُ لِلطَّعْنِ عَلَى نَوْعَيْنِ: مَا يُوجِبُ عُمُومَ الطَّعْنِ وَمَا لَا يُوجِبُهُ، فَالْأَوَّلُ مِثْلُ الزِّنَا وَشُرْبِ الْخَمْرِ وَالْكَذِبِ وَسَائِرِ الْكَبَائِرِ فَإِنَّ مَنْ ارْتَكَبَ وَاحِدًا مِنْهَا وَجَبَ رَدُّ جَمِيعِ رِوَايَاتِهِ؛ لِأَنَّ عَقْلَهُ وَدِينَهُ لَمَّا لَمْ يَمْنَعَاهُ عَنْ ارْتِكَابِهِ لَا يَمْنَعَاهُ عَنْ الْكَذِبِ فِي الرِّوَايَةِ أَيْضًا، وَالثَّانِي مِثْلُ اخْتِلَاطِ الْعَقْلِ وَالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ فَإِنَّهَا تُوجِبُ رَدَّ مَا رَوَاهُ فِي حَالَةِ الِاخْتِلَاطِ وَالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ وَلَا تُوجِبُ رَدَّ جَمِيعِ رِوَايَاتِهِ إذَا لَمْ يَغْلِبْ السَّهْوُ وَالْغَفْلَةُ عَلَيْهِ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ فِي غَيْرِ هَذِهِ الْأَحْوَالِ وَنَظِيرُهُ الشَّاهِدُ يُرَدُّ جَمِيعُ شَهَادَاتِهِ بِالْفِسْقِ لِعُمُومِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ وَلَا تُرَدُّ بِتُهْمَةِ الْأُبُوَّةِ إلَّا مَا اخْتَصَّ بِهَا وَهُوَ مَا شَهِدَ بِهِ لِابْنِهِ لِزَوَالِ الْعِلَّةِ الْمُوجِبَةِ لِلرَّدِّ فِي غَيْرِهِ.
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُ فِي كِتَابَتِهِ لِأَجْلِ الِاتِّهَامِ رَدُّ مَا رَوَاهُ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ السَّبَبُ الْمُوجِبُ لِلطَّعْنِ غَيْرَ شَامِلٍ لِلْجَمِيعِ مِثْلُ الْكَلْبِيِّ هُوَ أَبُو سَعِيدٍ مُحَمَّدُ بْنُ السَّائِبِ الْكَلْبِيُّ صَاحِبُ التَّفْسِيرِ وَيُقَالُ لَهُ أَبُو النَّضْرِ أَيْضًا طَعَنُوا فِيهِ بِأَنَّهُ يَرْوِي تَفْسِيرَ كُلِّ آيَةٍ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَيُسَمَّى زَوَائِدَ الْكَلْبِيِّ، وَبِأَنَّهُ رَوَى حَدِيثًا عَنْ الْحَجَّاجِ فَسَأَلَهُ عَمَّنْ يَرْوِيه فَقَالَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - فَلَمَّا جُرِّحَ قِيلَ لَهُ هَلْ سَمِعْت ذَلِكَ مِنْ الْحَسَنِ فَقَالَ لَا وَلَكِنِّي رَوَيْت عَنْ الْحَسَنِ غَيْظًا لَهُ، وَذَكَرَ فِي الْأَنْسَابِ أَنَّ الثَّوْرِيَّ وَمُحَمَّدَ بْنَ إِسْحَاقَ يَرْوِيَانِ عَنْهُ وَيَقُولَانِ حَدَّثَنَا أَبُو النَّضْرِ حَتَّى لَا يُعْرَفَ، قَالَ وَكَانَ الْكَلْبِيُّ سَبَئِيًّا مِنْ أَصْحَابِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ سَبَإٍ مِنْ أُولَئِكَ الَّذِينَ يَقُولُونَ إنَّ عَلِيًّا لَمْ يَمُتْ وَإِنَّهُ رَاجِعٌ إلَى الدُّنْيَا قَبْلَ قِيَامِ السَّاعَةِ فَيَمْلَؤُهَا عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَإِذَا رَأَوْا سَحَابَةً قَالُوا أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ فِيهَا وَالرَّعْدُ صَوْتُهُ وَالْبَرْقُ صَوْتُهُ حَتَّى تَبَرَّأَ وَاحِدٌ مِنْهُمْ، وَقَالَ:
وَمِنْ قَوْمٍ إذَا ذَكَرُوا عَلِيًّا ... يُصَلُّونَ الصَّلَاةَ عَلَى السَّحَابِ
، مَاتَ الْكَلْبِيُّ سَنَةَ سِتٍّ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَةٍ وَأَمْثَالُهُ مِثْلُ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ وَرَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ وَسَعِيدِ بْنِ أَبِي عَرُوبَةَ وَغَيْرِهِمْ اخْتَلَطَتْ عُقُولُهُمْ فَلَمْ يُقْبَلْ رِوَايَاتُهُمْ الَّتِي بَعْدَ الِاخْتِلَاطِ وَقُبِلَتْ الرِّوَايَاتُ الَّتِي قَبْلَهُ فَإِنْ قِيلَ مَا نُقِلَ عَنْ الْكَلْبِيِّ يُوجِبُ الطَّعْنَ عَامًّا فَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُقْبَلَ رِوَايَاتُهُ جَمِيعًا قُلْنَا إنَّمَا يُوجِبُ ذَلِكَ إذَا ثَبَتَ مَا نَقَلُوهُ عَنْهُ بِطَرِيقِ الْقَطْعِ فَأَمَّا إذَا اُتُّهِمَ بِهِ فَلَا يَثْبُتُ حُكْمُهُ فِي غَيْرِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute