وَمِنْ ذَلِكَ قَوْله تَعَالَى {وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ} [البقرة: ٤٣] وَالرُّكُوعُ اسْمٌ لِفِعْلٍ مَعْلُومٍ، وَهُوَ الْمَيَلَانُ عَنْ الِاسْتِوَاءِ بِمَا يَقْطَعُ اسْمَ الِاسْتِوَاءِ فَلَا يَكُونُ إلْحَاقُ التَّعْدِيلِ بِهِ عَلَى سَبِيلِ الْفَرْضِ حَتَّى تَفْسُدَ الصَّلَاةُ بِتَرْكِهِ بَيَانًا صَحِيحًا لِأَنَّهُ بَيِّنٌ بِنَفْسِهِ بَلْ يَكُونُ رَفْعًا لِحُكْمِ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ لَكِنَّهُ يُلْحَقُ بِهِ إلْحَاقَ الْفَرْعِ بِالْأَصْلِ لِيَصِيرَ وَاجِبًا مُلْحَقًا بِالْفَرْضِ كَمَا هُوَ مَنْزِلَةُ خَبَرِ الْوَاحِدِ مِنْ الْكِتَابِ
ــ
[كشف الأسرار]
التَّجَزُّؤِ وَالْعِدَّةُ قَدْ يَحْتَمِلُ مِثْلَ هَذِهِ الزِّيَادَةِ احْتِرَازًا عَنْ النُّقْصَانِ كَمَا أَنَّ عِدَّةَ الْأَمَةِ عَلَى النِّصْفِ مِنْ عِدَّةِ الْحُرَّةِ بِالْإِجْمَاعِ ثُمَّ جُعِلَتْ قُرْأَيْنِ وَفِيهِ زِيَادَةُ نِصْفِ الْقُرْءِ كَذَا فِي الْأَسْرَارِ.
وَعَنْ الثَّانِي أَنَّ الْحَيْضَةَ؛ وَإِنْ كَانَتْ مُؤَنَّثَةً فَالْقُرْءُ الْمُضَافُ إلَيْهِ الثَّلَاثَةُ مُذَكَّرٌ وَلَا اسْتِبْعَادَ فِي تَسْمِيَةِ شَيْءٍ وَاحِدٍ بِاسْمِ التَّذْكِيرِ وَالتَّأْنِيثِ كَالْبُرِّ وَالْحِنْطَةِ وَالذَّهَبِ وَالْعَيْنِ فَلَمَّا أُضِيفَ إلَى الْمُذَكَّرِ رُوعِيَ عَلَامَةُ التَّذْكِيرِ، وَمِمَّا يُؤَكِّدُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنْ الْقُرُوءِ الْحِيَضُ قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «دَعِي الصَّلَاةَ أَيَّامَ أَقْرَائِك» وَقَوْلُهُ «طَلَاقُ الْأَمَةِ ثِنْتَانِ وَعِدَّتُهَا حَيْضَتَانِ» وَلَمْ يَقُلْ طُهْرَانِ وقَوْله تَعَالَى، {وَاللائِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ} [الطلاق: ٤] ، الْآيَةَ فَأَقَامَ الْأَشْهُرَ مَقَامَ الْحِيَضِ دُونَ الْأَطْهَارِ وَأَنَّ الْغَرَضَ الْأَصِيلَ فِي الْعِدَّةِ اسْتِبْرَاءُ الرَّحِمِ وَالْحَيْضُ هُوَ الَّذِي يُسْتَبْرَأُ بِهِ الْأَرْحَامُ دُونَ الطُّهْرِ وَلِذَلِكَ كَانَ الِاسْتِبْرَاءُ مِنْ الْأَمَةِ بِالْحَيْضَةِ بِالِاتِّفَاقِ وَيُقَالُ أَقْرَأَتْ الْمَرْأَةُ إذَا حَاضَتْ كَذَا فِي الْكَشَّافِ.
قَوْلُهُ (وَالْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُثَنَّى) تَأْكِيدٌ لِقَوْلِهِ كَالْفَرْدِ لَا يَحْتَمِلُ الْعَدَدَ؛ وَإِنَّمَا أَكَّدَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْدَ يُطْلَقُ عَلَى الْأَعْدَادِ الَّتِي لَيْسَتْ بِزَوْجٍ كَمَا يُطْلَقُ عَلَى الْوَاحِدِ يُقَالُ ثَلَاثَةٌ عَدَدٌ فَرْدٌ وَأَرْبَعَةٌ عَدَدٌ زَوْجٌ فَلَمَّا احْتَمَلَ الْفَرْدُ الْعَدَدَ أَزَالَ الْإِبْهَامَ بِقَوْلِهِ وَالْوَاحِدُ لَا يَحْتَمِلُ الْمُثَنَّى وَمَعْنَاهُ لَفْظُ الْفَرْدِ لَا يَتَنَاوَلُ الْعَدَدَ وَاسْمُ الْوَاحِدِ لَا يَتَنَاوَلُ الْمُثَنَّى، فَكَانَ هَذَا أَيْ الْحَمْلُ عَلَى الْأَطْهَارِ بِمَعْنَى الرَّدِّ وَالْإِبْطَالِ أَيْ بِمُوجِبِ الْكِتَابِ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ يَقْتَضِي التَّكْمِيلَ وَالتَّنْقِيصُ ضِدُّهُ
قَوْلُهُ (وَمِنْ ذَلِكَ) أَيْ وَمِنْ الْخَاصِّ الَّذِي لَا يَحْتَمِلُ التَّصَرُّفَ بِطَرِيقِ الْبَيَانِ قَوْله تَعَالَى، وَارْكَعُوا، قِيلَ هُوَ أَمْرٌ لِلْيَهُودِ بِالرُّكُوعِ أَيْ أُقِيمُوا صَلَاةَ الْمُسْلِمِينَ وَزَكَاتَهُمْ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ مِنْهُمْ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْيَهُودَ لَا رُكُوعَ فِي صَلَاتِهِمْ، وَيَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِالرُّكُوعِ الصَّلَاةُ كَمَا يُعَبَّرُ عَنْهَا بِالسُّجُودِ وَيَكُونُ أَمْرًا بِأَنْ يُصَلِّيَ مَعَ الْمُصَلِّينَ يَعْنِي فِي الْجَمَاعَةِ كَأَنَّهُ قِيلَ وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَصَلُّوهَا مَعَ الْمُصَلِّينَ لَا مُنْفَرِدِينَ كَذَا فِي الْكَشَّافِ فَعَلَى هَذَا فَرْضِيَّةُ الرُّكُوعِ بِهَذِهِ الْآيَةِ ثَابِتَةٌ عَلَيْنَا بِطَرِيقِ الْإِشَارَةِ أَوْ الدَّلَالَةِ، فَإِنَّهُ تَعَالَى لَمَّا أَوْجَبَ الرُّكُوعَ عَلَيْهِمْ مُتَابَعَةً لَنَا فَيَكُونُ ذَلِكَ عَلَيْنَا أَوْجَبَ، وَإِيرَادُ قَوْله تَعَالَى ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا، لِإِثْبَاتِ فَرْضِيَّةِ الرُّكُوعِ كَمَا أَوْرَدَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَحْسَنُ، وَقَوْلُهُ ارْكَعُوا خَاصٌّ فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ بِهِ؛ وَإِنْ كَانَ عَامًّا فِي حَقِّ الْمَأْمُورِ.
قَوْلُهُ (وَهُوَ الْمَيَلَانُ عَنْ الِاسْتِوَاءِ) يُقَالُ رَكَعَتْ النَّخْلَةُ إذَا مَالَتْ وَرَكَعَ الْبَعِيرُ إذَا طَأْطَأَ رَأْسَهُ، وَرَكَعَ الشَّيْخُ إذَا انْحَنَى قَامَتُهُ مِنْ الْكِبَرِ، بِمَا يَقْطَعُ اسْمَ الِاسْتِوَاءِ حَتَّى لَوْ طَأْطَأَ رَأْسَهُ قَلِيلًا ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ إنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ مِنْهُ إلَى الرُّكُوعِ لَمْ يُجْزِهِ لِعَدَمِ انْقِطَاعِ الِاسْتِوَاءِ.
وَإِنْ كَانَ إلَى الرُّكُوعِ أَقْرَبَ جَازَ، وَفِي الْمَبْسُوطِ قَدْرُ الرُّكْنِ مِنْ الرُّكُوعِ أَدْنَى الِانْحِطَاطِ عَلَى وَجْهٍ يُسَمَّى لَهُ فِي النَّاسِ رَاكِعًا، فَلَا يَكُونُ إلْحَاقُ التَّعْدِيلِ، وَهُوَ الطُّمَأْنِينَةُ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِتْمَامُ الْقِيَامِ بَيْنَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ، بِهِ أَيْ بِالرُّكُوعِ أَوْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى، وَارْكَعُوا، بِخَبَرِ الْوَاحِدِ، وَهُوَ حَدِيثُ تَعْلِيمِ الْأَعْرَابِيِّ عَلَى وَجْهٍ يَكُونُ فَرْضًا كَالرُّكُوعِ، بَيَانًا صَحِيحًا؛ لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْتِحَاقِ خَبَرِ الْوَاحِدِ بَيَانًا بِالْكِتَابِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute