للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ فِي الْمَشْرُوعَاتِ الْقَابِلَةِ لِلِانْتِقَالِ وَالتَّعَاقُبِ.

وَأَمَّا الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ فَرَجُلٌ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى تَحَرِّي طَهَارَتِهِ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا ثُمَّ تَحَوَّلَ رَأْيُهُ فَصَلَّى فِي ثَوْبٍ آخَرَ عَلَى تَحَرِّي أَنَّ هَذَا طَاهِرٌ وَأَنَّ الْأَوَّلَ نَجِسٌ لَمْ يَجُزْ مَا صَلَّى فِي الثَّانِي إلَّا أَنْ يَتَيَقَّنَ بِطَهَارَتِهِ؛ لِأَنَّ التَّحَرِّيَ الْأَوَّلَ أَوْجَبَ الْحُكْمَ بِطَهَارَةِ الْأَوَّلِ وَنَجَاسَةِ الثَّانِي وَهَذَا وَصْفٌ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ عَيْنٍ إلَى عَيْنٍ فَبَطَلَ الْعَمَلُ بِهِ،

ــ

[كشف الأسرار]

فِي الطَّلَبِ فَيَنْقَضِي لِفَوَاتِ شَرْطِ صِحَّةِ الِاجْتِهَادِ وَهُوَ عَدَمُ النَّصِّ، هَذَا هُوَ الْكَلَامُ فِي الْعَمَلِ بِأَحَدِ الْقِيَاسَيْنِ فِيمَا مَضَى فَأَمَّا الْكَلَامُ فِي الْعَمَلِ بِالْقِيَاسِ الْآخَرِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَعَلَى مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ أَنَّ الْحُكْمَ الْمَطْلُوبَ بِالِاجْتِهَادِ إنْ احْتَمَلَ الِانْتِقَالَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ أَوْ الِانْتِسَاخَ وَالتَّعَاقُبَ وَجَبَ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ الْآخَرِ إذَا تَبَدَّلَ رَأْيُهُ إلَيْهِ.

وَإِلَّا فَلَا أَيْ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الِانْتِقَالَ وَالتَّعَاقُبَ لَا يَجُوزُ الْعَمَلُ بِالِاجْتِهَادِ عَلَى خِلَافِ الْأَوَّلِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ؛ لِأَنَّا لَوْ قُلْنَا بِالْجَوَازِ أَدَّى إلَى تَصْوِيبِ كُلِّ قِيَاسٍ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَعَمِلَ وَجَعَلَ التَّحَرِّيَ حُجَّةً لَهُ ضَرُورَةً صَارَ الَّذِي عَمِلَ بِهِ هُوَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى بِدَلِيلِ التَّحَرِّي، وَالْآخَرُ خَطَأً، فَإِذَا جَوَّزْنَا لَهُ الْعَمَلَ بِالْآخَرِ صَارَ هَذَا هُوَ الْحَقُّ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى أَيْضًا فَإِذَا كَانَ الْحُكْمُ مِمَّا لَا يَحْتَمِلُ التَّعَاقُبَ وَالِانْتِقَالَ لَزِمَ الْقَوْلُ بِتَعَدُّدِ الْحُقُوقِ عِنْدَ اللَّهِ تَعَالَى لَا مَحَالَةَ، فَأَمَّا إذَا كَانَ مِمَّا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ وَالتَّعَاقُبَ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْقَوْلُ بِالتَّعَدُّدِ، وَقَدْ اُبْتُلِينَا بِالْقِيَاسِ فِي الْحَوَادِثِ، وَقَدْ اسْتَقَرَّ رَأْيُهُ فِي هَذِهِ الْحَادِثَةِ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الْآخَرُ فَيَلْزَمُهُ الْعَمَلُ بِهِ كَمَا إذَا لَمْ يُعَارِضْهُ الْقِيَاسُ الْأَوَّلُ.

قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ فِي سَائِرِ الْمُجْتَهَدَاتِ) أَيْ كَمَا يُعْمَلُ بِتَبْدِيلِ التَّحَرِّي فِي الْمُسْتَقْبَلِ فِي مَسْأَلَةِ الْقِبْلَةِ يُعْمَلُ بِتَبْدِيلِ الرَّأْيِ فِي الْمُجْتَهَدَاتِ الْقَابِلَةِ لِلِانْتِقَالِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا إذَا اسْتَقَرَّ رَأْيُهُ عَلَى أَنَّ الصَّوَابَ هُوَ الثَّانِي؛ لِأَنَّ تَبَدُّلَ الرَّأْيِ يُشْبِهُ النَّسْخَ فَيُعْمَلُ بِهِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ وَلَا يَظْهَرُ بِهِ بُطْلَانُ الْمَاضِي كَمَا فِي النَّسْخِ الْحَقِيقِيِّ، وَهَذَا إذَا لَمْ يُلْحَقْ بِهِ حُكْمُ حَاكِمٍ فَإِنْ لَحِقَ بِهِ حُكْمٌ فَلَا يُعْمَلُ بِتَبَدُّلِ الرَّأْيِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ أَيْضًا كَمَا لَا يُعْمَلُ بِهِ فِي الْمَاضِي؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ الَّذِي نَفَذَ فِي مَحَلٍّ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ إلَى مَحَلٍّ آخَرَ فَيَلْزَمُ ذَلِكَ الْمَحَلُّ وَإِلَيْهِ أَشَارَ الشَّيْخُ بِقَوْلِهِ مِنْ الْمَشْرُوعَاتِ الْقَابِلَةِ لِلِانْتِقَالِ. بَيَانُهُ إذَا أَدَّى اجْتِهَادُ مُجْتَهِدٍ إلَى الْخُلْعِ الْفَسْخِ مَثَلًا فَنَكَحَ امْرَأَةً خَالَعَهَا ثَلَاثًا ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَزِمَهُ تَسْرِيحُهَا وَلَمْ يَجُزْ لَهُ إمْسَاكُهَا عَلَى خِلَافِ اجْتِهَادِهِ الْحَادِثِ وَلَكِنْ لَا يُحَرِّمُ الْوَطَآتِ السَّابِقَةِ.

وَلَوْ حَكَمَ حَاكِمٌ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ بَعْدَ أَنْ خَالَعَ الزَّوْجُ ثُمَّ تَغَيَّرَ اجْتِهَادُهُ لَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُنْقَضْ الِاجْتِهَادُ السَّابِقُ بِصِحَّةِ النِّكَاحِ فِي الْمُسْتَقْبَلِ فَإِنَّهُ لَوْ نُقِضَ الِاجْتِهَادُ بِالِاجْتِهَادِ لَنُقِضَ النَّقْضُ أَيْضًا، وَلَتَسَلْسَلَ وَاضْطَرَبَتْ الْأَحْكَامُ وَلَمْ يُوثَقْ بِهَا كَذَا ذَكَرَ بَعْضُ الْأُصُولِيِّينَ قَوْلُهُ (وَأَمَّا الَّذِي لَا يَحْتَمِلُهُ) أَيْ لَا يَحْتَمِلُ الِانْتِقَالَ فَرَجُلٌ صَلَّى فِي ثَوْبٍ عَلَى تَحَرِّي طَهَارَتِهِ حَقِيقَةً أَيْ وَقَعَ تَحَرِّيهِ عَلَى ثَوْبٍ هُوَ فِي الْحَقِيقَةِ طَاهِرٌ أَوْ تَقْدِيرًا أَيْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ بِالتَّحَرِّي وَهُوَ فِي الْحَقِيقَةِ نَجِسٌ لَكِنْ الشَّرْعُ لَمَّا حَكَمَ بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِيهِ ثَبَتَ طَهَارَتُهُ تَقْدِيرًا، أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّ الشَّكَّ وَقَعَ فِي الثَّوْبَيْنِ اللَّذَيْنِ أَحَدُهُمَا نَجِسٌ وَالْآخَرُ طَاهِرٌ كُلُّهُ حَقِيقَةً أَوْ الْآخَرُ رُبْعُهُ أَوْ أَكْثَرُ مِنْهُ طَاهِرٌ فَصَلَّى فِي أَحَدِهِمَا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ هُوَ الطَّاهِرُ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا ثُمَّ وَقَعَ أَكْبَرُ رَأْيِهِ عَلَى الْآخَرِ أَنَّهُ هُوَ الطَّاهِرُ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا لَمْ يَجُزْ مَا صَلَّى فِي الثَّانِي مَا لَمْ يَثْبُتْ طَهَارَتُهُ حَقِيقَةً أَوْ تَقْدِيرًا بِدَلِيلٍ مُوجِبٍ لِلْعِلْمِ لِأَنَّا لَمَّا حَكَمْنَا بِجَوَازِ الصَّلَاةِ فِي الثَّوْبِ الْأَوَّلِ فَقَدْ حَكَمْنَا بِأَنَّهُ هُوَ الطَّاهِرُ وَمِنْ ضَرُورَتِهِ الْحُكْمُ بِنَجَاسَةِ الثَّوْبِ الثَّانِي، وَهَذَا وَصْفٌ أَيْ تَنَجُّسُ الثَّوْبِ وَصْفٌ لَا يَقْبَلُ الِانْتِقَالَ مِنْ مَحَلٍّ إلَى مَحَلٍّ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ مَتَى يَثْبُتْ فِي مَحَلٍّ لَا يُتَحَوَّلُ عَنْهُ إلَى مَكَان آخَرَ وَلَا يَرِدْ الشَّرْعُ بِتَحَوُّلِهِ؛ لِأَنَّ الشَّرْعَ لَا يَرِدُ بِتَغَيُّرِ الْحَقَائِقِ فَلَوْ قُلْنَا بِصِحَّةِ التَّحَرِّي ثَانِيًا كَانَ تَحْوِيلًا، فَبَطَلَ الْعَمَلُ بِهِ أَيْ بِهَذَا التَّحَرِّي الثَّانِي

<<  <  ج: ص:  >  >>