وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ التَّرْجِيحُ بِالذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي بَابِ رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَلَكِنَّهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ هَذَا إلَّا فِي الْأَفْرَادِ فَأَمَّا فِي الْعَدَدِ فَإِنَّ خَبَرَ الْحُرَّيْنِ أَوْلَى وَكَذَلِكَ رِوَايَةُ الرَّجُلَيْنِ كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ إلَّا أَنَّ هَذَا مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ
ــ
[كشف الأسرار]
بِطَرِيقٍ وَاحِدٍ وَالْآخَرُ بِطُرُقٍ أَكَانَ يُرَجَّحُ مَا وَصَلَ إلَيْهِ بِطَرِيقٍ إذَا كَانَ رَاوِي الْأَصْلِ وَاحِدًا فَهَذَا لَا يَقُولُ بِهِ أَحَدٌ، وَذَكَرَ فِي الْمِيزَانِ لَا يَتَرَجَّحُ الْخَبَرُ بِكَثْرَةِ الرُّوَاةِ عِنْدَ عَامَّةِ مَشَايِخِنَا؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْخَبَرُ الَّذِي رُوَاتُهُ أَقَلُّ مُتَأَخِّرًا فَيَكُونُ نَاسِخًا لِذَلِكَ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يَرْفَعُ الرُّوَاةُ.
قَوْلُهُ (وَكَذَلِكَ لَا يَجِبُ التَّرْجِيحُ بِالذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ) إنَّمَا ذَكَرَ هَذَا جَوَابًا عَنْ اعْتِبَارِهِمْ الْخَبَرَ بِالشَّهَادَةِ فِي خَبَرِ الِاثْنَيْنِ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ رَاجِحٌ عَلَى خَبَرِ الْوَاحِدِ فَكَذَلِكَ فِي بَابِ الْأَخْبَارِ، فَقَالَ وَكَمَا لَا يَصِحُّ مَا ذَكَرْتُمْ؛ لِأَنَّهُ خِلَافُ السَّلَفِ لَا يَصِحُّ اعْتِبَارُهُ بِالشَّهَادَةِ أَيْضًا فَإِنَّ التَّرْجِيحَ بِالذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ ثَابِتٌ فِي بَابِ الشَّهَادَةِ حَتَّى كَانَتْ شَهَادَةُ الرَّجُلَيْنِ رَاجِحَةً عَلَى شَهَادَةِ الْمَرْأَتَيْنِ وَشَهَادَةُ الْحُرَّيْنِ رَاجِحَةً عَلَى شَهَادَةِ الْعَبْدَيْنِ وَلَمْ يَجِبْ التَّرْجِيحُ لَهُمَا فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ حَتَّى كَانَ خَبَرُ الْمَرْأَةِ مِثْلَ خَبَرِ الرَّجُلِ وَخَبَرُ الْعَبْدِ مِثْلَ خَبَرِ الْحُرِّ فَعَرَفْنَا أَنَّ اعْتِبَارَ الْأَخْبَارِ بِالشَّهَادَةِ غَيْرُ مُسْتَقِيمٍ.
قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَلَا يُؤْخَذُ حُكْمُ رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ مِنْ حُكْمِ الشَّهَادَاتِ أَلَا تَرَى أَنَّ التَّعَارُضَ فِي رِوَايَةِ الْأَخْبَارِ تَقَعُ بَيْنَ خَبَرِ الْمَرْأَةِ وَخَبَرِ الرَّجُلِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَ التَّوْبَةِ وَخَبَرِ غَيْرِ الْمَحْدُودِ وَبَيْنَ خَبَرِ الْمُثَنَّى وَخَبَرِ الْأَرْبَعَةِ وَإِنْ كَانَ يَظْهَرُ التَّفَاوُتُ بَيْنَهُمَا فِي الشَّهَادَاتِ حَتَّى يَثْبُتَ بِشَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ مَا لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ الزِّنَا.
وَكَذَلِكَ طُمَأْنِينَةُ الْقَلْبِ إلَى قَوْلِ الْأَرْبَعَةِ أَكْثَرُ وَمَعَ ذَلِكَ يَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ بَيْنَ شَهَادَةِ الِاثْنَيْنِ وَبَيْنَ شَهَادَةِ الْأَرْبَعَةِ فِي الْأَمْوَالِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ لَا يُؤْخَذُ حُكْمُ الْحَادِثَةِ مِنْ حَادِثَةٍ أُخْرَى مَا لَمْ يُعْلَمْ الْمُسَاوَاةَ بَيْنَهُمَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ.
قَوْلُهُ (وَلَكِنَّهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ هَذَا إلَّا فِي الْأَفْرَادِ) يَعْنِي أَنَّهُمْ يُسَلِّمُونَ أَنَّ التَّرْجِيحَ بِالذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ لَا يَجِبُ فِي الْأَفْرَادِ حَتَّى لَا يَتَرَجَّحَ خَبَرُ رَجُلٍ وَاحِدٍ عَلَى خَبَرِ امْرَأَةٍ وَاحِدَةٍ وَخَبَرُ حُرٍّ عَلَى خَبَرِ عَبْدٍ لَكِنَّهُمْ لَا يُسَلِّمُونَ عَدَمَ التَّرْجِيحِ بَيْنَهُمَا فِي الْعَدَدِ بَلْ يَقُولُونَ خَبَرُ الْحُرَّيْنِ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْعَبْدَيْنِ وَخَبَرُ الرَّجُلَيْنِ أَوْلَى مِنْ خَبَرِ الْمَرْأَتَيْنِ؛ لِأَنَّ خَبَرَ الْحُرَّيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ حُجَّةٌ تَامَّةٌ دُونَ خَبَرِ الْعَبْدَيْنِ وَالْمَرْأَتَيْنِ فَيَتَرَجَّحُ كَمَا فِي الشَّهَادَةِ بِخِلَافِ الْأَفْرَادِ فَإِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا لَيْسَ بِحُجَّةٍ فَكَانَ خَبَرُ الْحُرِّ كَخَبَرِ الْعَبْدِ وَخَبَرُ الرَّجُلِ كَخَبَرِ الْمَرْأَةِ، كَمَا فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ يَعْنِي إذَا أَخْبَرَهُ عَبْدٌ ثِقَةٌ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَحُرٌّ ثِقَةٌ بِنَجَاسَتِهِ أَوْ عَلَى الْقَلْبِ فَيَتَحَقَّقُ التَّعَارُضُ وَيَعْمَلُ بِأَكْبَرِ رَأْيِهِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ لَا تَتِمُّ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ بِخَبَرِ حُرٍّ وَاحِدٍ وَمِنْ حَيْثُ الدِّينُ الْحُرُّ وَالْمَمْلُوكُ سَوَاءٌ فَلِتَحَقُّقِ الْمُعَارَضَةِ يَصِيرُ إلَى التَّرْجِيحِ بِأَكْبَرِ الرَّأْيِ، وَإِنْ أَخْبَرَهُ بِأَحَدِ الْأَمْرَيْنِ مَمْلُوكَانِ ثِقَتَانِ وَبِالْأَمْرِ الْآخَرِ حُرَّانِ ثِقَتَانِ أَخَذَ بِقَوْلِ الْحُرَّيْنِ؛ لِأَنَّ الْحُجَّةَ تَتِمُّ بِقَوْلِ الْحُرَّيْنِ فِي الْحُكْمِ وَلَا تَتِمُّ بِقَوْلِ الْمَمْلُوكَيْنِ فَعِنْدَ التَّعَارُضِ يَتَرَجَّحُ قَوْلُ الْحُرَّيْنِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْمَبْسُوطِ.
وَإِذَا ثَبَتَ تَرْجِيحُ خَبَرِ الْحُرَّيْنِ فِي مَسْأَلَةِ الْمَاءِ يَثْبُتُ فِي الْأَخْبَارِ أَيْضًا، ثُمَّ إنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يُسَلِّمُوا ذَلِكَ فِي الْعَدَدِ لَا يَتِمُّ الْإِلْزَامُ عَلَيْهِمْ بِمَا ذُكِرَ فَأَبْطَلَ عَلَيْهِمْ كَلَامَهُمْ لِيَتِمَّ الْإِلْزَامُ، فَقَالَ إلَّا أَنَّ هَذَا أَيْ مَا ذَكَرُوا مِنْ تَرْجِيحِ خَبَرِ الْحُرَّيْنِ وَالرَّجُلَيْنِ مَتْرُوكٌ بِإِجْمَاعِ السَّلَفِ فَإِنَّ الْمُنَاظَرَاتِ جَرَتْ مِنْ وَقْتِ الصَّحَابَةِ إلَى يَوْمِنَا هَذَا بِأَخْبَارِ الْآحَادِ وَلَمْ يُرْوَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا اشْتِغَالُهُمْ بِالتَّرْجِيحِ بِالذُّكُورَةِ وَالْحُرِّيَّةِ فِي الْأَفْرَادِ وَالْعَدَدِ وَلَا بِالتَّرْجِيحِ بِزِيَادَةِ عَدَدِ الرُّوَاةِ وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ صَحِيحًا لَاشْتَغَلُوا بِهِ كَمَا اشْتَغَلُوا بِالتَّرْجِيحِ بِزِيَادَةِ الضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَبِزِيَادَةِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute