للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا بِنَقْضِ الْوَكَالَةِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - اسْتِثْنَاؤُهُ جَائِزٌ وَلِلْخَصْمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذَا الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ تَنَاوَلَتْ الْإِقْرَارَ عَمَلًا بِمَجَازِهَا عَلَى مَا عُرِفَ وَانْقَلَبَ الْمَجَازُ هُنَا بِدَلَالَةِ الدِّيَانَةِ حَقِيقَةً وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ كَالْمَجَازِ فَإِذَا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ وَقَيَّدَ التَّوْكِيلَ كَانَ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَصَحَّ مَوْصُولًا وَعَلَى هَذَا يَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ مَفْصُولًا إلَّا أَنْ يَعْزِلَهُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ عَمِلَ بِحَقِيقَةِ اللُّغَةِ فَصَحَّ فَلَمْ يَكُنْ اسْتِثْنَاءً فِي الْحَقِيقَةِ وَعَلَى هَذَا يَصِحُّ مَفْصُولًا وَهُوَ اخْتِيَارُ الْخَصَّافِ وَاخْتُلِفَ فِي اسْتِثْنَاءِ الْإِنْكَارِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ عَلَى هَذَا الِاخْتِلَافِ عَلَى الطَّرِيقِ الْأَوَّلِ لِمُحَمَّدٍ - رَحِمَهُ اللَّهُ -.

ــ

[كشف الأسرار]

كَمَا ذَكَرَ هَاهُنَا.

وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ أَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ يَصِحُّ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّهُ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّ مِنْ أَصْلِهِ أَنَّ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ بِاعْتِبَارِ أَنَّ الْوَكِيلَ قَامَ مَقَامَ الْمُوَكِّلِ فَيَمْلِكُ مَا كَانَ الْمُوَكِّلُ مَالِكًا لَهُ لَا بِاعْتِبَارِ أَنَّهُ مِنْ الْخُصُومَةِ، وَالْمُوَكِّلُ يَمْلِكُ الْإِقْرَارَ بِنَفْسِهِ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَفِي غَيْرِ مَجْلِسِ الْقَضَاءِ فَكَذَا الْوَكِيلُ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ يَصِيرُ الْإِقْرَارُ عَلَى الْمُوَكِّلِ ثَابِتًا لِلْوَكِيلِ حُكْمًا لِلْوَكَالَةِ لَا مَقْصُودًا فَلَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ بِقَوْلِهِ غَيْرَ جَائِزِ الْإِقْرَارِ وَلَا إبْطَالُهُ بِالْمُعَارَضَةِ بِقَوْلِهِ عَلَى أَنْ لَا يُقِرَّ عَلَيَّ؛ لِأَنَّ مِنْ شُرُوطِ صِحَّةِ الِاسْتِثْنَاءِ ثُبُوتُ الْمُسْتَثْنَى مَقْصُودًا بِصَدْرِ الْكَلَامِ لِيُمْكِنَ جَعْلُ الْكَلَامِ بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ تَكَلُّمًا بِالْبَاقِي فَإِذَا ثَبَتَ حُكْمًا وَتَبَعًا لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاؤُهُ كَمَا لَوْ وَكَّلَهُ بِالْبَيْعِ عَلَى أَنْ لَا يَقْبِضَ الْوَكِيلُ الثَّمَنَ أَوْ لَا يُسْلِمَ الْمَبِيعَ كَانَ الِاسْتِثْنَاءُ بَاطِلًا وَكَذَلِكَ اسْتِثْنَاءُ أَطْرَافِ الْحَيَوَانِ فِي الْبَيْعِ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهَا تَدْخُلُ فِي الْعَقْدِ تَبَعًا لَا مَقْصُودًا، وَقَدْ نَصَّ فِي الْهِدَايَةِ أَنَّ مَا يَجُوزُ إيرَادُ الْعَقْدِ عَلَيْهِ بِانْفِرَادِهِ يَجُوزُ اسْتِثْنَاؤُهُ، وَهَذَا لِأَنَّ صِحَّةَ الْإِقْرَارِ لَمَّا ثَبَتَ حُكْمًا لِلْوَكَالَةِ مَا دَامَتْ الْوَكَالَةُ بَاقِيَةً كَانَ حُكْمُهَا بَاقِيًا؛ لِأَنَّ الشَّيْءَ إذَا بَقِيَ بَقِيَ بِحُكْمِهِ وَلِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَصَرُّفٌ لَفْظِيٌّ فَيَقْتَصِرُ عَمَلُهُ عَلَى مَا يَتَنَاوَلُهُ اللَّفْظُ وَلَا يَعْمَلُ فِيمَا ثَبَتَ بِطَرِيقِ الْحُكْمِ إلَّا بِنَقْضِ الْوَكَالَةِ أَيْ لَا يَمْلِكُ إبْطَالَ إقْرَارِهِ عَلَيْهِ إلَّا بِأَنْ يَنْقُضَ الْوَكَالَةَ بِالْعَزْلِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ حُكْمًا لِلْوَكَالَةِ يَنْتَقِضُ بِانْتِقَاضِهَا.

وَقَالَ مُحَمَّدٌ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ اسْتِثْنَاؤُهُ جَائِزٌ وَلِلْخَصْمِ أَنْ لَا يَقْبَلَ هَذَا الْوَكِيلَ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا جَازَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ لَا يُمْكِنُهُ الْوُصُولُ إلَى حَقِّهِ إلَّا بِإِقَامَةِ الْبَيِّنَةِ وَرُبَّمَا لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ ذَلِكَ فَلَا يُفِيدُهُ مُخَاصَمَتُهُ فَكَانَ لَهُ أَنْ لَا يَقْبَلَ وَلِجَوَازِ الِاسْتِثْنَاءِ وَجْهَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخُصُومَةَ تَتَنَاوَلُ الْإِقْرَارَ عَمَلًا بِمَجَازِهَا؛ لِأَنَّ الْخُصُومَةَ لَمَّا كَانَتْ مَهْجُورَةً شَرْعًا صَارَ التَّوْكِيلُ بِالْخُصُومَةِ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ مَجَازًا؛ لِأَنَّ تَوْكِيلَهُ إنَّمَا يَصِحُّ شَرْعًا بِمَا يَمْلِكُهُ الْمُوَكِّلُ بِنَفْسِهِ وَاَلَّذِي تُيُقِّنَ بِأَنَّهُ مَمْلُوكٌ لِلْمُوَكِّلِ الْجَوَابُ لَا الْإِنْكَارُ فَإِنَّهُ إذَا عُرِفَ الْمُدَّعِي مُحِقًّا لَا يَمْلِكُ الْإِنْكَارَ شَرْعًا وَتَوْكِيلُهُ بِمَا لَا يَمْلِكُ لَا يَجُوزُ شَرْعًا فَحَمَلْنَاهُ عَلَى هَذَا النَّوْعِ مِنْ الْمَجَازِ كَالْعَبْدِ الْمُشْتَرَكِ بَيْنَ اثْنَيْنِ يَبِيعُ أَحَدُهُمَا نِصْفَهُ مُطْلَقًا يَنْصَرِفُ بَيْعُهُ إلَى نَصِيبِهِ خَاصَّةً لِتَصْحِيحِ عَقْدِهِ، وَإِذَا صَارَ تَوْكِيلًا بِالْجَوَابِ يَدْخُلُ فِيهِ الْإِقْرَارُ وَالْإِنْكَارُ؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ جَوَابٌ تَامٌّ كَالْإِنْكَارِ، ثُمَّ هَذَا الْمَجَازُ انْقَلَبَ حَقِيقَةً شَرْعِيَّةً بِدَلَالَةِ الدِّيَانَةِ فَإِنَّهَا تَحْمِلُهُ عَلَى الْجَوَابِ الْوَاجِبِ وَتَمْنَعُهُ عَنْ الْإِنْكَارِ عِنْدَ مَعْرِفَتِهِ الْمُدَّعِيَ مُحِقًّا وَصَارَتْ الْحَقِيقَةُ وَهِيَ الْخُصُومَةُ كَالْمَجَازِ فَلَمَّا اسْتَثْنَى الْإِقْرَارَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ صَرَفَ الْكَلَامَ مِنْ الْحَقِيقَةِ الَّتِي هِيَ مُطْلَقُ الْجَوَابِ إلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْإِنْكَارُ وَالْخُصُومَةُ وَقَيَّدَ التَّوْكِيلَ بِهِ، وَتَقْيِيدُ الْإِطْلَاقِ تَغْيِيرٌ لَهُ بِلَا شُبْهَةٍ فَكَانَ اسْتِثْنَاءُ الْإِقْرَارِ بَيَانًا مُغَيِّرًا فَيَصِحُّ مَوْصُولًا وَيَجِبُ أَنْ لَا يَصِحَّ مَفْصُولًا إلَّا أَنْ يَعْزِلَ الْوَكِيلَ عَنْ الْوَكَالَةِ فَحِينَئِذٍ يَسْقُطُ الْإِقْرَارُ بِبُطْلَانِ الْوَكَالَةِ.

وَقَوْلُهُ أَصْلًا لِدَفْعِ وَهْمِ مَنْ يَتَوَهَّمُ أَنَّ الْإِقْرَارَ يَسْقُطُ بِعَزْلِهِ عَنْ الْإِقْرَارِ وَإِنْ لَمْ يَسْقُطْ بِالِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِبَيْعِ عَبْدَيْنِ لَا يَصِحُّ اسْتِثْنَاءُ أَحَدِهِمَا مُنْفَصِلًا وَيَصِحُّ عَزْلُهُ عَنْ بَيْعِ أَحَدِهِمَا عَيْنًا فَقَالَ لَا يَسْقُطُ الْإِقْرَارُ هَاهُنَا بِعَزْلِهِ عَنْهُ كَمَا لَا يَسْقُطُ بِالِاسْتِثْنَاءِ مُنْفَصِلًا؛ لِأَنَّ الْإِقْرَارَ ثَبَتَ لَهُ حُكْمًا لِلْوَكَالَةِ فَمَا لَمْ يَعْزِلْهُ عَنْ الْوَكَالَةِ لَا يَسْقُطُ الْإِقْرَارُ وَالْوَجْهُ الثَّانِي أَنَّ صِحَّةَ إقْرَارِ الْوَكِيلِ بِاعْتِبَارِ

<<  <  ج: ص:  >  >>