للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

إلَى أُخْرَى وَمِنْهُ تَنَاسُخُ الْمَوَارِيثِ لِانْتِقَالِهَا مِنْ قَوْمٍ إلَى قَوْمٍ وَمِنْهُ نَسَخْت الْكِتَابَ لِمَا فِيهِ مِنْ مُشَابَهَةِ النَّقْلِ بِتَحْصِيلِ مِثْلِ مَا فِي أَحَدِ الْكِتَابَيْنِ فِي الْآخَرِ ثُمَّ قِيلَ هِيَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَ الْمَعْنَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ أُطْلِقَ عَلَيْهِمَا وَالْأَصْلُ فِي الْإِطْلَاقِ هُوَ الْحَقِيقَةُ وَقِيلَ هُوَ حَقِيقَةٌ فِي الْإِزَالَةِ مَجَازٌ فِي الْآخَرِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ إلَّا فِي الْمَعْنَيَيْنِ وَلَيْسَ حَقِيقَةً فِي النَّقْلِ؛ لِأَنَّ فِي قَوْلِهِ: نَسَخْت الْكِتَابَ لَمْ يُوجَدْ النَّقْلُ حَقِيقَةً فَتَعَيَّنَ كَوْنُهُ حَقِيقَةً فِي الْآخَرِ تَفَادِيًا عَنْ كَثْرَةِ الْمَجَازِ وَقِيلَ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ: نَسَخْت الْكِتَابَ إنْ كَانَ حَقِيقَةً فَهُوَ الْمَطْلُوبُ، وَإِنْ كَانَ مَجَازًا فَلَا يَكُونُ مُسْتَعَارًا مِنْ الْإِزَالَةِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مُزَالٍ وَلَا مُشَابِهٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُونَ مُسْتَعَارًا مِنْ النَّقْلِ لِمُشَابِهَتِهِ إيَّاهُ وَإِذَا كَانَ مُسْتَعَارًا مِنْهُ كَانَ النَّقْلُ حَقِيقَةً فَكَانَ مَجَازًا فِي الْآخَرِ دَفْعًا لِلِاشْتِرَاكِ وَالْأَوْلَى فِي الشَّرْعِ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى الْإِزَالَةِ؛ لِأَنَّ نَقْلَ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ مَنْسُوخٌ إلَى نَاسِخِهِ لَا يُتَصَوَّرُ. وَأَمَّا الْإِزَالَةُ وَهِيَ الْإِبْطَالُ وَالْإِعْدَامُ فَمُتَصَوَّرٌ وَذُكِرَ فِي الْمِيزَانِ أَنَّهُ اسْمٌ عُرْفِيٌّ عِنْدَ بَعْضِهِمْ فَإِنَّ مَا هُوَ مَعْنَاهُ وَهُوَ الرَّفْعُ وَالْإِزَالَةُ لَا يَتَحَقَّقُ فِي النَّسْخِ الشَّرْعِيِّ فَكَانَ الِاسْتِعْمَالُ عُرْفًا فَيَكُونُ الِاسْمُ مَنْقُولًا كَاسْمِ الصَّلَاةِ لِلْأَفْعَالِ الْمَعْهُودَةِ لَمَّا لَمْ يَكُنْ فِيهَا مَعْنَى الِاسْمِ اللُّغَوِيِّ يَكُونُ اسْمًا مَنْقُولًا لَا اسْمًا شَرْعِيًّا فَكَذَا هَذَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ اسْمٌ شَرْعِيٌّ؛ لِأَنَّ فِيهِ مَعْنًى لُغَوِيًّا وَهُوَ الْإِزَالَةُ مِنْ وَجْهٍ عَلَى مَا يُذْكَرُ وَاخْتَلَفُوا فِي مَعْنَاهُ شَرِيعَةً أَيْضًا أَيْ فِي حَدِّهِ فَقِيلَ هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا مَعَ تَرَاخِيهِ عَنْهُ، وَإِنَّمَا اُخْتِيرَ لَفْظُ الْخِطَابِ دُونَ النَّصِّ لِيَشْمَلَ اللَّفْظَ وَالْفَحْوَى وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَجُوزُ النَّسْخُ بِهِ وَفِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْمَوْتِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْأَعْذَارِ الدَّالَّةِ عَلَى ارْتِفَاعِ الْأَحْكَامِ الزَّائِلَةِ بِهَا مَعَ تَرَاخِيهَا عَنْهَا وَكَوْنِهَا بِحَيْثُ لَوْلَاهَا لَكَانَتْ الْأَحْكَامُ الزَّائِلَةُ بِهَا مُسْتَمِرَّةً وَقَيَّدَ بِالْخِطَابِ الْمُتَقَدِّمِ احْتِرَازًا عَنْ الْخِطَابِ الدَّالِّ عَلَى ارْتِفَاعِ الْأَحْكَامِ الْعَقْلِيَّةِ الثَّابِتَةِ قَبْلَ وُرُودِ الشَّرْعِ فَإِنَّ ابْتِدَاءَ إيجَابِ الْعِبَادَاتِ فِي الشَّرْعِ يُزِيلُ حُكْمَ الْعَقْلِ مِنْ بَرَاءَةِ الذِّمَّةِ وَلَا يُسَمَّى نَسْخًا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُزِلْ حُكْمَ خِطَابٍ وَقَيَّدَ بِقَوْلِهِ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا احْتِرَازًا عَمَّا إذَا وَرَدَ الْخِطَابُ بِحُكْمٍ مُوَقِّتٍ نَحْوُ قَوْله تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: ١٨٧] . وَبَعْدَ انْتِهَاءِ ذَلِكَ الْوَقْتِ وَرَدَ الْخِطَابُ بِحُكْمٍ مُنَاقِضٍ لِلْأَوَّلِ كَمَا لَوْ وَرَدَ عِنْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا} [البقرة: ١٨٧] فَإِنَّهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِلْأَوَّلِ؛ لِأَنَّا لَوْ قَدَّرْنَا انْتِفَاءَ الثَّانِي لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مُسْتَمِرًّا بَلْ كَانَ مُنْتَهِيًا بِالْغُرُوبِ وَقَوْلُهُ مَعَ تَرَاخِيهِ احْتِرَازٌ عَنْ الْخِطَابِ الْمُتَّصِلِ كَالِاسْتِثْنَاءِ وَالتَّقْيِيدِ بِالشَّرْطِ وَالْغَايَةِ؛ لِأَنَّهُ يَكُونُ بَيَانًا لَا نَسْخًا وَقِيلَ هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى أَنَّ مِثْلَ الْحُكْمِ الثَّابِتِ بِالنَّصِّ الْمُتَقَدِّمِ زَائِلٌ عَلَى وَجْهٍ لَوْلَاهُ لَكَانَ ثَابِتًا، وَإِنَّمَا زِيدَ لَفْظُ الْمِثْلِ؛ لِأَنَّ صَاحِبَ هَذَا الْحَدِّ يَقُولُ تَحْقِيقُ الرَّفْعِ فِي الْحُكْمِ مُمْتَنِعٌ؛ لِأَنَّ الْمَرْفُوعَ إمَّا حُكْمٌ ثَابِتٌ أَوْ مَا لَا ثَبَاتَ لَهُ وَالثَّابِتُ لَا يُمْكِنُ رَفْعُهُ وَمَا لَا ثَبَاتَ لَهُ لَا حَاجَةَ إلَى رَفْعِهِ فَدَلَّ أَنَّ النَّسْخَ هُوَ رَفْعُ مِثْلِ الْحُكْمِ الثَّابِتِ لَا رَفْعُ عَيْنِهِ أَوْ بَيَانُ مُدَّةِ الْحُكْمِ وَقِيلَ هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى ظُهُورِ انْتِفَاءِ شَرْطِ دَوَامِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ وَقِيلَ هُوَ الْخِطَابُ الدَّالُّ عَلَى انْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ الشَّرْعِيِّ مَعَ التَّأَخُّرِ عَنْ مَوْرِدِهِ وَزُيِّفَتْ هَذِهِ الْحُدُودُ بِأَنَّهَا مَعَ كَوْنِهَا تَعْرِيفَاتٍ لِلنَّاسِخِ لَا لِلنَّسْخِ نَفْسِهِ؛ لِأَنَّ الْخِطَابَ دَلِيلُ النَّسْخِ وَالطَّرِيقُ الْمُعَرِّفُ لَهُ لَا نَفْسُهُ غَيْرُ مُطَّرِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا قَالَ نُسِخَ حُكْمُ كَذَا يَكُونُ هَذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>