للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[كشف الأسرار]

وَيُؤَدِّي أَيْضًا إلَى جَوَازِ نَسْخِ شَرِيعَتِكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَقُولُونَ بِهِ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ لَوْ جَازَ النَّسْخُ الَّذِي هُوَ رَفْعُ الْحُكْمِ لَكَانَ رَفْعُهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَوْ بَعْدَ وُجُودِهِ أَوْ مَعَهُ وَارْتِفَاعُهُ قَبْلَ وُجُودِهِ أَوْ بَعْدَهُ بَاطِلٌ لِكَوْنِهِ مَعْدُومًا فِي الْحَالَيْنِ وَرَفْعُ الْمَعْدُومِ مُمْتَنِعٌ وَارْتِفَاعُهُ مَعَ وُجُودِهِ أَجْدَرُ بِالْبُطْلَانِ لِاسْتِحَالَةِ اجْتِمَاعِ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ لِاسْتِلْزَامِهِ كَوْنَهُ مَوْجُودًا وَمَعْدُومًا فِي حَالَةٍ وَاحِدَةٍ وَهُوَ مُحَالٌ.

وَمَنْ أَنْكَرَ جَوَازَهُ وَوُقُوعَهُ مِمَّنْ انْتَحَلَ الْإِسْلَامَ تَمَسَّكَ بِأَنَّ النَّسْخَ إبْطَالٌ وَهُوَ يُنَافِي الْكِتَابَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢] فَلَا يَجُوزُ وَإِذَا لَمْ يَجُزْ فِي الْكِتَابِ لَمْ يَجُزْ فِي السُّنَّةِ لِعَدَمِ الْقَائِلِ بِالْفَصْلِ وَلِمُنَافَاتِهَا الْإِبْطَالَ كَالْكِتَابِ وَدَلِيلُنَا عَلَى جَوَازِهِ بَلْ عَلَى وُجُودِهِ الْمُسْتَلْزِمِ لِجَوَازِهِ عَقْلًا مِنْ حَيْثُ السَّمْعُ أَنَّ نِكَاحَ الْأَخَوَاتِ كَانَ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ آدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبِهِ حَصَلَ التَّنَاسُلُ وَقَدْ وَرَدَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَمَرَ آدَمَ بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مِنْ بَنِيهِ وَكَذَا الِاسْتِمْتَاعُ بِالْجُزْءِ كَانَ حَلَالًا لِآدَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَإِنَّ زَوْجَتَهُ حَوَّاءَ كَانَتْ مَخْلُوقَةً مِنْ ضِلْعِهِ عَلَى مَا نَطَقَ بِهِ الْخَبَرُ ثُمَّ انْتَسَخَ ذَلِكَ بِغَيْرِهِ مِنْ الشَّرَائِعِ حَتَّى لَا يَجُوزَ لِأَحَدٍ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُخْتَهُ وَأَنْ يَسْتَمْتِعَ بَعْضٌ مِنْهُ بِنِكَاحِ نَحْوِ ابْنَتِهِ.

وَكَذَا الْجَمْعُ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ كَانَ مَشْرُوعًا فِي شَرِيعَةِ يَعْقُوبَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَأَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ فَقَدْ ذُكِرَ فِي التَّوْرَاةِ أَنَّهُ خَطَبَ الصُّغْرَى فَقَالَ أَبُوهُمَا: لَيْسَ مِنْ سُنَّةِ بَلَدِنَا أَنْ تُزَوَّجَ الصُّغْرَى قَبْلَ الْكُبْرَى فَتَزَوَّجَهُمَا مَعًا ثُمَّ حَرُمَ الْجَمْعُ فِي حُكْمِ التَّوْرَاةِ وَكَذَا الْعَمَلُ فِي السَّبْتِ كَانَ مُبَاحًا قَبْلَ شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - لِاتِّفَاقِهِمْ عَلَى أَنَّ السَّبْتَ مُخْتَصٌّ بِشَرِيعَتِهِ ثُمَّ انْتَسَخَتْ تِلْكَ الْإِبَاحَةُ بِشَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَكَذَا تَرْكُ الْخِتَانِ كَانَ جَائِزًا فِي شَرِيعَةِ إبْرَاهِيمَ ثُمَّ انْتَسَخَ بِالْوُجُوبِ فِي شَرِيعَةِ مُوسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - حَيْثُ أَوْجَبَهُ عَلَيْهِمْ يَوْمَ وِلَادَةِ الطِّفْلِ فَتَبَيَّنَ بِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهُ لَا وَجْهَ إلَى إنْكَارِهِ وَلَكِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَلَى الْأَوَّلِ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ آدَمَ أُمِرَ بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ اللَّاتِي كُنَّ فِي زَمَانِهِ وَحِينَئِذٍ تَحْرِيمُ ذَلِكَ فِي شَرِيعَةِ مَنْ بَعْدَهُ لَا يَكُونُ نَسْخًا لِكَوْنِهِ رَفْعَ مُبَاحِ الْأَصْلِ إذْ لَمْ يُؤْمَرْ مَنْ بَعْدَهُ بِهِ حَتَّى يَكُونُ تَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ نَسْخًا وَلَئِنْ سَلَّمْنَا كَوْنَهُ مَأْمُورًا بِتَزْوِيجِ بَنَاتِهِ مُطْلَقًا لَكِنْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْأَمْرُ مُقَيَّدًا بِظُهُورِ شَرْعِ مَنْ بَعْدَهُ وَعَلَى هَذَا لَا يَكُونُ تَحْرِيمُهُ ذَلِكَ عَلَى مَنْ بَعْدَهُ نَسْخًا لِانْتِهَاءِ أَمَدِ الْحُكْمِ الْأَوَّلِ بِظُهُورِ شَرِيعَةِ مَنْ بَعْدَهُ كَمَا أَنَّ إبَاحَةَ الْإِفْطَارِ بِاللَّيَالِيِ لَا تَكُونُ نَسْخًا لِإِيجَابِ الصَّوْمِ إلَى اللَّيْلِ وَعَلَى الثَّانِي لَا نُسَلِّمُ أَنَّ حِلَّ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْجُزْءِ ثَبَتَ عَلَى الْإِطْلَاقِ فِي شَرِيعَتِهِ بَلْ أُحِلَّ لَهُ ذَلِكَ فِي حَقِّ حَوَّاءَ خَاصَّةً حَتَّى لَمْ يَحِلَّ لَهُ التَّزَوُّجُ بِسَائِرِ بَنَاتِهِ وَلَا لِأَحَدٍ مِنْ بَنِيهِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِنْتَ نَفْسِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَحْرِيمُ الْبِنْتِ عَلَى غَيْرِهِ نَسْخًا لِحِلِّ الِاسْتِمْتَاعِ بِالْجُزْءِ إذَا لَمْ يَثْبُتْ ذَلِكَ فِي حَقِّ غَيْرِهِ بَلْ كَانَ الْحِلُّ مُنْتَهِيًا بِوَفَاتِهِ كَانْتِهَاءِ الصَّوْمِ بِاللَّيْلِ وَعَلَى الْبَاقِي أَنَّ الْجَمْعَ وَالْعَمَلَ بِالسَّبْتِ وَالْخِتَانِ كَانَ مُبَاحًا بِحُكْمِ الْأَصْلِ وَتَحْرِيمُ مُبَاحِ الْأَصْلِ لَيْسَ بِنَسْخٍ.

وَأُجِيبَ عَنْ الْأَوَّلِ بِأَنَّ الْأَصْلَ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ ثُبُوتُهَا عَلَى الْإِطْلَاقِ وَبَقَاؤُهَا إلَى أَنْ يُوجَدَ الْمُزِيلُ وَعَدَمُ اخْتِصَاصِهَا بِقَوْمٍ دُونَ

<<  <  ج: ص:  >  >>