للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالزَّلَّةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ غَيْرِ مَقْصُودٍ فِي عَيْنِهِ لَكِنَّهُ اتَّصَلَ الْفَاعِلُ بِهِ عَنْ فِعْلِ مُبَاحٍ قَصَدَهُ فَزَلَّ بِشُغْلِهِ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ حَرَامٌ وَلَمْ يَقْصِدْهُ أَصْلًا بِخِلَافِ الْمَعْصِيَةِ فَإِنَّهَا اسْمٌ لِفِعْلٍ حَرَامٍ مَقْصُودٍ بِعَيْنِهِ اخْتَلَفُوا فِي سَائِرِ أَفْعَالِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِمَّا لَيْسَ بِسَهْوٍ وَلَا طَبْعٍ

ــ

[كشف الأسرار]

لَمْ يَقْصِدْ قَتْلَهُ فَكَانَ زَلَّةً أَوْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى كَمَا قَالَ {وَعَصَى آدَمُ رَبَّهُ} [طه: ١٢١] أَيْ بِأَكْلِ الشَّجَرَةِ الَّتِي نُهِيَ عَنْهَا وَالْعِصْيَانُ تَرْكُ الْأَمْرِ أَوْ ارْتِكَابُ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ إلَّا أَنَّهُ إنْ كَانَ عَمْدًا كَانَ ذَنْبًا وَإِنْ كَانَ خَطَأً كَانَ زَلَّةً فَغَوَى أَيْ فَعَلَ مَا لَمْ يَكُنْ فِعْلَهُ وَقِيلَ أَخْطَأَ حَيْثُ طَلَبَ الْمُلْكَ وَالْخُلْدَ بِأَكْلِ مَا نُهِيَ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ الْبَيَانُ مُقْتَرِنًا بِهِ لَا مَحَالَةَ عُلِمَ أَنَّهُ غَيْرُ صَالِحٍ لِلِاقْتِدَاءِ بِهِ ثُمَّ الشَّيْخُ وَشَمْسُ الْأَئِمَّةِ رَحِمَهُمَا اللَّهُ قَسَّمَا أَفْعَالَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - سِوَى الزَّلَّةِ وَمَا لَيْسَ عَنْ قَصْدٍ عَلَى أَرْبَعَةِ أَقْسَامٍ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمُسْتَحَبٌّ وَمُبَاحٌ وَالْقَاضِي الْإِمَامُ وَسَائِرُ الْأُصُولِيِّينَ قَسَّمُوهَا عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ وَاجِبٌ مُسْتَحَبٌّ وَمُبَاحٌ وَأَرَادُوا بِالْوَاجِبِ الْفَرْضَ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْوَاجِبَ الِاصْطِلَاحِيَّ مَا ثَبَتَ بِدَلِيلٍ فِيهِ اضْطِرَابٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ ذَلِكَ فِي حَقِّهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -؛ لِأَنَّ الدَّلَائِلَ الْمُوجِبَةَ كُلَّهَا فِي حَقِّهِ قَطْعِيَّةٌ وَيُمْكِنُ أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ تَقْسِيمُ أَفْعَالِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْنَا كَمَا أُشِيرَ إلَيْهِ فِي آخِرِ الْبَابِ وَحِينَئِذٍ يَتَحَقَّقُ فِيهَا الْوَاجِبُ الِاصْطِلَاحِيُّ لِتَصَوُّرِ ثُبُوتِ وُجُوبِ بَعْضِ أَفْعَالِهِ فِي حَقِّنَا بِدَلِيلٍ مُضْطَرِبٍ قَوْلُهُ (وَالزَّلَّةُ اسْمٌ) لِكَذَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَمَّا الزَّلَّةُ، فَإِنَّهُ لَا يُوجَدُ فِيهَا الْقَصْدُ إلَى عَيْنِهَا وَلَكِنْ يُوجَدُ الْقَصْدُ إلَى أَصْلِ الْفِعْلِ.

قَالَ وَبَيَانُ هَذَا أَنَّ الزَّلَّةَ أُخِذَتْ مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ زَلَّ الرَّجُلُ فِي الطِّينِ إذَا لَمْ يُوجَدْ الْقَصْدُ إلَى الْوُقُوعِ وَلَا إلَى الثَّبَاتِ بَعْدَ الْوُقُوعِ وَلَكِنْ وُجِدَ الْقَصْدُ إلَى الْمَشْيِ فِي الطَّرِيقِ فَعَرَفْنَا بِهَذَا أَنَّ الزَّلَّةَ مَا يَتَّصِلُ بِالْفَاعِلِ عِنْدَ فِعْلِهِ مَا لَمْ يَكُنْ قَصْدُهُ بِعَيْنِهِ وَلَكِنَّهُ زَلَّ فَاشْتَغَلَ بِهِ عَمَّا قَصَدَهُ بِعَيْنِهِ وَالْمَعْصِيَةُ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ إنَّمَا يَتَنَاوَلُ مَا يَقْصِدُهُ الْمُبَاشِرُ بِعَيْنِهِ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَطْلَقَ الشَّرْعُ ذَلِكَ عَلَى الزَّلَّةِ مَجَازًا، فَإِنْ قِيلَ لَمَّا لَمْ يَكُنْ الْفِعْلُ الْحَرَامُ مَقْصُودًا فِي الزَّلَّةِ فَفِيمَ الْعِتَابُ قُلْنَا: إنَّ الزَّلَّةَ لَا تَخْلُو عَنْ نَوْعِ تَقْصِيرٍ يُمْكِنُ لِلْمُكَلَّفِ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ عِنْدَ التَّثَبُّتِ فَاسْتِحْقَاقُ الْعِتَابِ بِنَاءً عَلَيْهِ كَمَنْ زَلَّ فِي الطَّرِيقِ يَسْتَحِقُّ اللُّوَّمَ لِتَرْكِ التَّثَبُّتِ وَالتَّقْصِيرِ قَالَ الشَّيْخُ أَبُو الْحَسَنِ الْأَشْعَرِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ - فِي عِصْمَةِ الْأَنْبِيَاءِ وَلَيْسَ مَعْنَى الزَّلَّةِ أَنَّهُمْ زَلُّوا عَنْ الْحَقِّ إلَى الْبَاطِلِ وَعَنْ الطَّاعَةِ إلَى الْمَعْصِيَةِ وَلَكِنْ مَعْنَاهَا الزَّلَلُ عَنْ الْأَفْضَلِ إلَى الْفَاضِلِ وَالْأَصْوَبِ إلَى الصَّوَابِ وَكَانُوا يُعَاقَبُونَ لِجَلَالِ قَدْرِهِمْ وَمَنْزِلَتِهِمْ وَمَكَانَتِهِمْ مِنْ اللَّهِ تَعَالَى قَوْلُهُ (بِشُغْلِهِ عَنْهُ) الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ، وَالضَّمِيرُ الْأَوَّلُ لِلْفَاعِلِ وَالثَّانِي لِلْفِعْلِ الْمُبَاحِ أَيْ زَلَّ الْفَاعِلُ بِسَبَبِ شُغْلِهِ عَنْ الْفِعْلِ الْمُبَاحِ الَّذِي قَصَدَهُ أَيْ بِسَبَبِ غَفْلَتِهِ عَنْهُ إلَى مَا هُوَ حَرَامٌ لَمْ يُقْصَدْ أَصْلًا، فَإِنَّهَا أَيْ الْمَعْصِيَةُ اسْمٌ لِفِعْلٍ حَرَامٍ مَقْصُودٍ بِعَيْنِهِ أَيْ نَفْسُ الْفِعْلِ مَقْصُودٌ مَعَ الْعِلْمِ بِحُرْمَتِهِ دُونَ مُخَالَفَةِ الْأَمْرِ، فَإِنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَقْصُودَةً لَكَانَ كُفْرًا.

قَوْلُهُ (وَاخْتَلَفُوا فِي سَائِرِ أَفْعَالِ النَّبِيِّ) أَيْ بَاقِي أَفْعَالِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَعْدَ الزَّلَّةِ مِمَّا لَيْسَ بِسَهْوٍ مِثْلُ تَسْلِيمِهِ عَلَى رَأْسِ الرَّكْعَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ حَتَّى قَالَ ذُو الْيَدَيْنِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت وَلَا طَبْعٍ مِثْلُ الْأَفْعَالِ الَّتِي لَا يَخْلُو ذُو الرُّوحِ عَنْهَا كَالتَّنَفُّسِ وَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ وَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّهَا عَلَى الْإِبَاحَةِ بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَإِلَى أُمَّتِهِ بِلَا خِلَافٍ وَلَا بُدَّ لِتَلْخِيصِ مَحَلِّ النِّزَاعِ مِنْ قُيُودٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنْ لَا يَكُونَ هَذَا الْفِعْلُ بَيَانًا لِمُجْمَلِ الْكِتَابِ، فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ يَكُونُ تَابِعًا لِلْمُبَيَّنِ فِي الْوُجُوبِ وَالنَّدْبِ وَالْإِبَاحَةِ وَأَنْ لَا يَكُونَ امْتِثَالًا وَتَنْفِيذًا لِأَمْرٍ سَابِقٌ، فَإِنَّهُ تَابِعٌ

<<  <  ج: ص:  >  >>