للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فِي مَسْأَلَةِ الْمُفَوِّضَةِ وَمِثْلُهُ قَوْله تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: ٥٠] وَالْفَرْضُ لَفْظٌ خَاصٌّ وُضِعَ لِمَعْنًى مَخْصُوصٍ، وَهُوَ التَّقْدِيرُ فَمَنْ لَمْ يَجْعَلْ الْمَهْرَ مُقَدَّرًا شَرْعًا كَانَ مُبْطِلًا، وَكَذَلِكَ الْكِنَايَةُ فِي قَوْله تَعَالَى مَا فَرَضْنَا لَفْظٌ خَاصٌّ يُرَادُ بِهِ نَفْسُ الْمُتَكَلِّمِ

ــ

[كشف الأسرار]

أَنْفُسَكُمْ فِيمَا لَا يَحِلُّ لَكُمْ فَتَخْسَرُوا دُنْيَاكُمْ وَدِينَكُمْ، وَمَفْعُولُ أَنْ تَبْتَغُوا مُقَدَّرٌ، وَهُوَ النِّسَاءُ، فَاَللَّهُ تَعَالَى أَحَلَّ الِابْتِغَاءَ أَيْ الطَّلَبَ بِالْمَالِ وَالْبَاءُ لِلْإِلْصَاقِ فَيَقْتَضِي أَنْ يَكُونَ الطَّلَبُ مُلْصَقًا بِالْمَالِ وَالطَّلَبُ بِالْعَقْدِ يَقَعُ لَا بِالْإِجَارَةِ وَالْمُتْعَةِ وَغَيْرِهِمَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: ٢٤] ، فَيَجِبُ الْمَالُ عِنْدَ الْعَقْدِ إمَّا تَسْمِيَةً وَإِمَّا وُجُوبًا بِإِيجَابِ الشَّرْعِ.

وَقَوْلُهُ عَنْ الطَّلَبِ الصَّحِيحِ احْتِرَازٌ عَنْ النِّكَاحِ الْفَاسِدِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَجِبُ فِيهِ الْمَهْرُ بِنَفْسِ الْعَقْدِ بِالْإِجْمَاعِ بَلْ يَتَرَاخَى إلَى الْوَطْءِ

قَوْلُهُ (فِي الْمُفَوِّضَةِ) بِكَسْرِ الْوَاوِ وَبِفَتْحِهَا، وَاعْلَمْ أَنَّ التَّفْوِيضَ هُوَ التَّزْوِيجُ بِلَا مَهْرٍ، وَهُوَ عِنْدَهُ صَحِيحٌ وَفَاسِدٌ فَالصَّحِيحُ هُوَ أَنْ تَأْذَنَ الْمَرْأَةُ الْمَالِكَةُ لِأَمْرِهَا ثَيِّبًا كَانَتْ أَوْ بِكْرًا لِوَلِيِّهَا أَنْ يُزَوِّجَهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ تَقُولَ زَوِّجْنِي وَلَا تَذْكُرُ الْمَهْرَ فَيُزَوِّجَهَا وَلِيُّهَا وَيَقُولُ زَوَّجْتُكهَا بِلَا مَهْرٍ أَوْ يَسْكُتَ عَنْ ذِكْرِ الْمَهْرِ أَوْ السَّيِّدُ يُزَوِّجُ أَمَتَهُ بِلَا مَهْرٍ أَوْ يَسْكُتُ عَنْ ذِكْرِهِ فَيَصِحُّ النِّكَاحُ وَلَا يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ عَلَى الصَّحِيحِ مِنْ الْمَذْهَبِ، وَلَوْ دَخَلَ بِهَا وَجَبَ لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ وَلَهَا مُطَالَبَتُهُ بِالْفَرْضِ وَلَوْ طَلَّقَهَا قَبْلَ الْمَسِيسِ وَالْفَرْضِ لَا مَهْرَ لَهَا، وَالْفَاسِدُ هُوَ أَنْ يُزَوِّجَ الْأَبُ الصَّغِيرَةَ أَوْ الْمَجْنُونَةَ مُفَوِّضَةً أَوْ الْأَبُ زَوَّجَ الْبِكْرَ الْبَالِغَةَ دُونَ رِضَاهَا مُفَوِّضَةً فَفِي انْعِقَادِ النِّكَاحِ قَوْلَانِ أَصَحُّهُمَا يَصِحُّ وَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ بِالْعَقْدِ كَذَا فِي التَّهْذِيبِ لِلْإِمَامِ مُحْيِي السُّنَّةِ، ثُمَّ فِي التَّفْوِيضِ الصَّحِيحِ يَجُوزُ أَنْ تُسَمَّى الْمَرْأَةُ الْمَالِكَةُ لِأَمْرِهَا مُفَوِّضَةً بِكَسْرِ الْوَاوِ؛ لِأَنَّهَا فَوَّضَتْ أَيْ أَذِنَتْ فِي التَّزْوِيجِ بِلَا مَهْرٍ وَمُفَوَّضَةً بِفَتْحِهَا؛ لِأَنَّ وَلِيَّهَا فَوَّضَهَا أَيْ زَوَّجَهَا بِلَا مَهْرٍ وَالْأَمَةُ الْمُزَوَّجَةُ بِلَا مَهْرٍ لَا تُسَمَّى إلَّا مُفَوَّضَةً بِالْفَتْحِ فَهَذَا مَعْنَى فَتْحِ الْوَاوِ وَكَسْرِهَا.

فَأَمَّا مَا ذُكِرَ فِي بَعْضِ الشُّرُوحِ أَنَّ الْمُفَوِّضَةَ بِالْكَسْرِ هِيَ الَّتِي زَوَّجَتْ نَفْسَهَا بِغَيْرِ مَهْرٍ وَبِالْفَتْحِ هِيَ الصَّغِيرَةُ الَّتِي زَوَّجَهَا وَلِيُّهَا بِلَا مَهْرٍ فَغَيْرُ صَحِيحٍ؛ لِأَنَّ نِكَاحَ الْأُولَى فَاسِدٌ عِنْدَهُ لِعَدَمِ الْوَلِيِّ فَلَا يَكُونُ مِنْ بَابِ التَّفْوِيضِ وَفِي نِكَاحِ الثَّانِيَةِ يَجِبُ الْمَهْرُ بِالْعَقْدِ كَمَا ذَكَرْنَا فَلَا يَتَأَتَّى الْخِلَافُ، وَذَكَرَ فِي الطَّرِيقَةِ الْمَنْسُوبَةِ إلَى الصَّدْرِ الْحَجَّاجِ قُطْبِ الدِّينِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - أَنَّ التَّمَسُّكَ بِهَذِهِ الْآيَةِ مِنْ أَصْحَابِنَا لَا يَسْتَقِيمُ فِي الْمُفَوِّضَةِ؛ لِأَنَّ فِيهِ دَلِيلًا عَلَى كَوْنِهِ مَشْرُوعًا بِمَالٍ وَلَيْسَ فِيهِ نَفْيُ كَوْنِهِ مَشْرُوعًا بِلَا مَالٍ بَلْ هُوَ مَسْكُوتٌ عَنْهُ مَوْقُوفٌ إلَى قِيَامِ الدَّلِيلِ وَقَدْ قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ مَشْرُوعًا بِلَا عِوَضٍ، وَهُوَ فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ وَانْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُم فَإِنَّهُ بِإِطْلَاقِهِ يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا وَالْمُطْلَقُ يَجْرِي عَلَى إطْلَاقِهِ وَالْمُقَيَّدُ عَلَى تَقْيِيدِهِ.

قُلْت الْمُطْلَقُ يُحْمَلُ عَلَى الْمُقَيَّدِ فِي الْحُكْمِ الْوَاحِدِ فِي الْحَادِثَةِ الْوَاحِدَةِ بِالِاتِّفَاقِ كَمَا فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَهَهُنَا كَذَلِكَ فَيَجِبُ حَمْلُ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمُقَيَّدِ بِالْمَالِ أَلَا يُرَى أَنَّهُ شُرِطَ فِيهِ الْإِشْهَادُ مَعَ أَنَّ إطْلَاقَهُ لَا يَدُلُّ عَلَيْهِ، فَكَذَا يُشْتَرَطُ الْمَالُ (قَوْله تَعَالَى {قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ} [الأحزاب: ٥٠] أَيْ قَدْ عَلِمَ اللَّهُ مَا يَجِبُ فَرْضُهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ فِي الْأَزْوَاجِ وَالْإِمَاءِ كَذَا فِي الْكَشَّافِ وَقِيلَ النَّفَقَةُ وَالْكِسْوَةُ وَالْمَهْرُ، وَفِي التَّيْسِيرِ أَيْ مَا أَوْجَبْنَا مِنْ الْمُهُورِ فِي أُمَّتِك فِي أَزْوَاجِهِمْ وَمِنْ الْعِوَضِ فِي إمَائِهِمْ وَأَحْلَلْنَا لَك الْوَاهِبَةَ نَفْسَهَا مِنْ غَيْرِ مَهْرٍ وَأَطْلَقْنَا لَك الِاصْطِفَاءَ مِنْ الْغَنِيمَةِ مَا شِئْت، فَعَلَى هَذَا الْقَوْلِ اسْتَدَلَّ الشَّيْخُ فِي تَقْدِيرِ الْمَهْرِ فَقَالَ الْفَرْضُ

<<  <  ج: ص:  >  >>