للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إلَّا أَنَّهُ قَالَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ لَا نَتْرُكُ ذَلِكَ إلَّا بِدَلِيلٍ وَهَذَا أَصَحُّ عِنْدَنَا أَمَّا الْوَاقِفُونَ فَقَدْ قَالُوا إنَّ صِفَةَ الْفِعْلِ إذَا كَانَتْ مُشْكِلَةً امْتَنَعَ الِاقْتِدَاءُ؛ لِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ فِي الْمُتَابَعَةِ فِي أَصْلِهِ وَوَصْفِهِ، فَإِذَا خَالَفَهُ فِي الْوَصْفِ لَمْ يَكُنْ مُقْتَدِيًا فَوَجَبَ الْوَقْفُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ.

وَأَمَّا الْآخَرُونَ فَقَدْ احْتَجُّوا بِالنَّصِّ الْمُوجِبِ لِطَاعَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣] وَالنُّصُوصُ فِي ذَلِكَ كَثِيرَةٌ

وَأَمَّا الْكَرْخِيُّ فَقَدْ زَعَمَ أَنَّ الْإِبَاحَةَ مِنْ هَذِهِ الْأَقْسَامِ هِيَ ثَابِتَةٌ بِيَقِينٍ فَلَمْ يَجُزْ إثْبَاتُ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ وَوَجَبَ إثْبَاتُ الْيَقِينِ كَمَنْ وَكَّلَ رَجُلًا بِمَالِهِ يَثْبُتُ الْحِفْظُ بِهِ؛ لِأَنَّهُ يَقِينٌ وَقَدْ وَجَدْنَا اخْتِصَاصَ الرَّسُولِ بِبَعْضِ مَا فَعَلَهُ وَوَجَدْنَا الِاشْتِرَاكَ أَيْضًا

ــ

[كشف الأسرار]

إلَّا أَنَّهُ يَقُولُ إذَا لَمْ يُعْلَمْ فَالِاتِّبَاعُ لَهُ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ حَتَّى يَقُومَ الدَّلِيلُ عَلَى كَوْنِهِ مَخْصُوصًا فَمَا ذُكِرَ فِي التَّقْوِيمِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إنَّمَا يَثْبُتُ الِاتِّبَاعُ عِنْدَهُ إذَا عُرِفَ وَصْفُ ذَلِكَ الْفِعْلِ كَمَا صَرَّحَ بِهِ أَبُو الْيُسْرِ وَمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الِاتِّبَاعَ ثَابِتٌ عِنْدَهُ بِكُلِّ حَالٍ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمَذْكُورُ فِي التَّقْوِيمِ مُوَافِقًا لِمَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَيْضًا يُعْرَفُ بِالتَّأَمُّلِ وَقَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ قَالَ عَلَيْنَا اتِّبَاعُهُ مَعْنَاهُ لَنَا جَوَازُ مُتَابَعَتِهِ فِيهِ لَا يُتْرَكُ ذَلِكَ أَيْ لَا يُحْمَلُ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ إلَّا بِدَلِيلٍ أَوْ مَعْنَاهُ وَجَبَ عَلَيْنَا اعْتِقَادُ إبَاحَتِهِ فِي حَقِّنَا لَا يُتْرَكُ ذَلِكَ الِاعْتِقَادُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْفَرْقُ بَيْنَ قَوْلِ الْجَصَّاصِ وَبَيْنَ قَوْلِ الْفَرِيقِ الثَّانِي أَنَّ الِاتِّبَاعَ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ وَاجِبٌ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّنَا، وَالِاتِّبَاعُ فِي قَوْلِ أَبِي بَكْرٍ ثَابِتٌ عَلَى اعْتِقَادِ أَنَّهُ مُبَاحٌ فِي حَقِّهِ وَفِي حَقِّنَا كَمَا لَوْ ثَبَتَ بِالتَّنْصِيصِ إبَاحَةُ فِعْلٍ لَهُ مِنْ غَيْرِ تَخْصِيصٍ وَجْهُ قَوْلِ الْوَاقِفِيَّةِ أَنَّ الِاتِّبَاعَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ فِي أَفْعَالِهِ؛ لِأَنَّ التَّكْلِيفَ بِحَسَبِ الْمَصَالِحِ وَلَيْسَ يَجِبُ اشْتِرَاكُ الْمُكَلَّفِينَ فِي الْمَصَالِحِ إذْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ فِعْلٌ مَصْلَحَةً فِي حَقِّ شَخْصٍ وَلَا يَكُونُ مَصْلَحَةً فِي حَقِّ آخَرَ فَإِذًا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ مَصْلَحَةً فِي حَقِّ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَلَا يَكُونُ مَصْلَحَةً فِي حَقِّنَا أَلَا تَرَى أَنَّهُ قَدْ أُبِيحَ لَهُ مَا لَمْ يُبَحْ لَنَا مِنْ الْعَدَدِ فِي النِّكَاحِ وَالصَّفِيِّ مِنْ الْمَغْنَمِ وَغَيْرِهِمَا وَقَدْ أُوجِبَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُوجَبْ عَلَيْنَا مِثْلُ قِيَامِ اللَّيْلِ وَالضُّحَى وَنَحْوِهِمَا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَلْزَمُنَا مُتَابَعَتُهُ حَتَّى يَقُومَ دَلِيلٌ عَلَى الشَّرِكَةِ.

لَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الِاتِّبَاعَ وَاجِبٌ فَذَلِكَ لَيْسَ بِمُمْكِنٍ هَاهُنَا؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ فِي الْفِعْلِ عِبَارَةٌ عَنْ إتْيَانِ مِثْلِ فِعْلِ الْغَيْرِ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فَعَلَهُ حَتَّى لَوْ لَمْ يَكُنْ هَذَا الْفِعْلُ مِثْلَ الْأَوَّلِ كَالْقِيَامِ وَالْقُعُودِ أَوْ لَمْ يَكُنْ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي فَعَلَهُ بِأَنْ كَانَ أَحَدُهُمَا وَاجِبًا وَالْآخَرُ نَفْلًا أَوْ لَمْ يَكُنْ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ فَعَلَهُ بِأَنْ صَلَّى رَجُلَانِ الظُّهْرَ مُنْفَرِدَيْنِ امْتِثَالًا لِلْأَمْرِ لَا يَكُونُ مُتَابَعَةً، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَا يَتَحَقَّقُ الْمُتَابَعَةُ قَبْلَ مَعْرِفَةِ صِفَةِ الْفِعْلِ وَلَا وَجْهَ إلَى الْمُخَالَفَةِ أَيْضًا فَيَجِبُ التَّوَقُّفُ إلَى أَنْ يَظْهَرَ وَصْفُ الْفِعْلِ بِالدَّلِيلِ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ - وَهَذَا الْكَلَامُ عِنْدَ التَّأَمُّلِ بَاطِلٌ؛ لِأَنَّ هَذَا الْقَائِلَ إنْ كَانَ يَمْنَعُ الْأُمَّةَ مِنْ أَنْ يَفْعَلُوا مِثْلَ فِعْلِهِ بِهَذَا الطَّرِيقِ وَيَلُومُهُمْ عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ أَثْبَتَ صِفَةَ الْحَظْرِ فِي الِاتِّبَاعِ وَإِنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُمْ مِنْ ذَلِكَ وَلَا يَلُومُهُمْ عَلَيْهِ فَقَدْ أَثْبَتَ صِفَةَ الْإِبَاحَةِ فَعَرَفْنَا أَنَّ الْقَوْلَ بِالْوَقْفِ لَا يَتَحَقَّقُ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَأَمَّا الْآخَرُونَ وَهُمْ الَّذِينَ قَالُوا بِوُجُوبِ الِاتِّبَاعِ فَقَدْ احْتَجُّوا بِالنُّصُوصِ الْمُوجِبَةِ لِطَاعَةِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عَلَى الْإِطْلَاقِ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ} [النور: ٦٣] أَيْ عَنْ شَأْنِ الرَّسُولِ وَسَمْتِهِ وَطَرِيقَتِهِ كَمَا فِي قَوْلِهِ {وَمَا أَمْرُ فِرْعَوْنَ بِرَشِيدٍ} [هود: ٩٧] أَيْ شَأْنُهُ وَطَرِيقَتُهُ وَمَذْهَبُهُ قَالُوا وَحَمْلُ الْأَمْرِ عَلَى الشَّأْنِ هَاهُنَا أَوْلَى مِنْ حَمْلِهِ عَلَى الْقَوْلِ لِانْتِظَامِ الشَّأْنِ الْقَوْلَ وَالْفِعْلَ عَلَى وَجْهٍ وَاحِدٍ.

وَالنُّصُوصُ فِيهَا أَيْ فِي طَاعَةِ الرَّسُولِ وَوُجُوبِ اتِّبَاعِهِ كَثِيرَةٌ مِثْلُ قَوْله تَعَالَى {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ} [النساء: ٥٩] {وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ} [الأعراف: ١٥٨] {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر: ٧] ، فَإِنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ وَأَمْثَالَهَا تُوجِبُ اتِّبَاعَهُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ وَمِثْلُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - خَلَعَ نَعْلَهُ فِي الصَّلَاةِ فَخَلَعُوا اسْتِدْلَالًا بِفِعْلِهِ فَأَقَرَّهُمْ عَلَى اسْتِدْلَالِهِمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ بَلْ بَيَّنَ الْعِلَّةَ بِقَوْلِهِ أَخْبَرَنِي جَبْرَائِيلُ أَنَّ فِيهَا قَذَرًا وَأَمَرَهُمْ بِالْحَلْقِ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ فَتَرَبَّصُوا وَتَوَقَّفُوا فَلَمَّا فَعَلَ بِنَفْسِهِ تَبَادَرُوا إلَى الْحَلْقِ فَدَلَّ أَنَّ لِلْفِعْلِ مِنْ الْمَكَانَةِ فِي الْقُلُوبِ مَا لَيْسَ لِلْقَوْلِ

<<  <  ج: ص:  >  >>