وَقَدْ اتَّفَقَ عَمَلُ أَصْحَابِنَا بِالتَّقْلِيدِ فِيمَا لَا يُعْقَلُ بِالْقِيَاسِ فَقَدْ قَالُوا فِي أَقَلِّ الْحَيْضِ إنَّهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ، وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ وَأَفْسَدُوا شِرَاءَ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ عَمَلًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - فِي قِصَّةِ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -
ــ
[كشف الأسرار]
قَدْرِ رَأْسِ مَالِ السَّلَمِ أَيْ تَسْمِيَةِ مِقْدَارِهِ لَيْسَ بِشَرْطٍ أَيْ فِيمَا إذَا كَانَ رَأْسُ الْمَالِ مُشَارًا؛ لِأَنَّ الْإِشَارَةَ أَبْلُغُ فِي التَّعْرِيفِ مِنْ الْعِبَارَةِ وَالتَّسْمِيَةِ.
وَالْإِعْلَامُ بِالْعِبَارَةِ يَصِحُّ بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا بِالْإِشَارَةِ فَعَمِلَا بِالْقِيَاسِ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - خِلَافُهُ، فَإِنَّ أَبَا حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - شَرَطَ الْإِعْلَامَ فِيمَا ذَكَرْنَا لِجَوَازِ السَّلَمِ وَقَالَ: بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ رَحِمَهُمَا اللَّهُ فِي الْحَامِلِ أَنَّهَا تَطْلُقُ ثَلَاثًا لِلسُّنَّةِ قِيَاسًا عَلَى الْآيِسَةِ وَالصَّغِيرَةِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ فِي حَقِّهَا غَيْرُ مَرْجُوٍّ إلَى زَمَانِ وَضْعِ الْحَمْلِ كَمَا هُوَ غَيْرُ مَرْجُوٍّ فِي حَقِّ الصَّغِيرَةِ إلَى زَمَانِ الْبُلُوغِ فَيَجُوزُ أَنْ يُقَامَ الشَّهْرُ فِي حَقِّهَا مَقَامَ الطُّهْرِ أَوْ الطُّهْرِ وَالْحَيْضِ فِي كَوْنِهِ زَمَانَ تَجَدُّدِ آخَرَ عَنْهُ بِخِلَافِ مُمْتَدَّةِ الطُّهْرِ؛ لِأَنَّ الْحَيْضَ فِي حَقِّهَا مَرْجُوٌّ سَاعَةً فَسَاعَةً فَلَا يَجُوزُ إقَامَةُ الشَّهْرِ فِي حَقِّهَا مَقَامَ تَجَدُّدِ آخَرَ عَنْهُ فَعَمِلَا بِالْقِيَاسِ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: - رَحِمَهُ اللَّهُ - لَا تَطْلُقُ لِلسُّنَّةِ إلَّا وَاحِدَةً بَلَغَنَا ذَلِكَ عَنْ جَابِرٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ فِي الْأَجِيرِ الْمُشْتَرَكِ وَهُوَ الَّذِي لَا يَسْتَحِقُّ الْأَجْرَ إلَّا بِالْعَمَلِ كَالصَّبَّاغِ وَالْقَصَّارِ إنَّهُ ضَامِنٌ لِمَا ضَاعَ فِي يَدِهِ إذَا كَانَ الْهَلَاكُ بِسَبَبٍ يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالسَّرِقَةِ وَنَحْوِهَا، فَأَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ كَالْغَرَقِ الْغَالِبِ وَالْحَرْقِ الْغَالِبِ وَالْغَارَةِ الْعَامَّةِ فَلَا ضَمَانَ فِيهِ بِالِاتِّفَاقِ وَرَوَيَا ذَلِكَ أَيْ وُجُوبَ الضَّمَانِ عَنْ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -، فَإِنَّهُ كَانَ يُضَمِّنُ الْخَيَّاطَ وَالْقَصَّارَ صِيَانَةً لِأَمْوَالِ النَّاسِ وَخَالَفَ ذَلِكَ أَيْ الْمَرْوِيَّ عَنْ عَلِيٍّ أَبُو حَنِيفَةَ - رَحِمَهُ اللَّهُ - بِالرَّأْيِ فَقَالَ: إنَّهُ أَمِينٌ فَلَا يَضْمَنُ شَيْئًا كَالْأَجِيرِ الْوَاحِدِ وَالْمُودِعِ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الضَّمَانَ نَوْعَانِ: ضَمَانُ جَبْرٍ وَضَمَانُ شَرْطٍ لَا ثَالِثَ لَهُمَا، وَضَمَانُ الْجَبْرِ يَجِبُ بِالتَّعَدِّي وَالتَّفْوِيتِ، وَضَمَانُ الشَّرْطِ يَجِبُ بِالْعَقْدِ وَلَمْ يُوجَدْ التَّعَدِّي وَالتَّفْوِيتِ؛ لِأَنَّ قَطْعَ يَدِ الْمَالِكِ حَصَلَ بِإِذْنِهِ وَالْحِفْظُ لَا يَكُونُ خِيَانَةً وَلَمْ يُوجَدْ عَقْدٌ مُوجِبٌ لِلضَّمَانِ أَيْضًا فَبَقِيَتْ الْعَيْنُ أَمَانَةً فِي يَدِهِ فَلَا يَضْمَنُ بِالْهَلَاكِ كَالْوَدِيعَةِ.
(قَوْلُهُ وَقَدْ اتَّفَقَ عَمَلُ أَصْحَابِنَا) يَعْنِي الْمُتَقَدِّمِينَ وَالْمُتَأَخِّرِينَ بِالتَّقْلِيدِ فِيمَا لَا يُعْقَلُ بِالْقِيَاسِ أَيْ بِالرَّأْيِ مِثْلُ الْمَقَادِيرِ الشَّرْعِيَّةِ الَّتِي لَا تُعْرَفُ بِالرَّأْيِ، فَإِنَّهُمْ قَالُوا أَقَلَّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةٌ وَأَكْثَرَهُ عَشَرَةٌ وَرَوَوْا ذَلِكَ عَنْ أَنَسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - وَقَدْ رَوَوْا أَكْثَرَ النِّفَاسِ بِأَرْبَعِينَ يَوْمًا بِقَوْلِ عُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ كَذَا ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ إلَّا أَنَّ النِّفَاسَ لَمَّا كَانَ مَبْنِيًّا عَلَى أَكْثَرِ الْحَيْضِ لِكَوْنِهِ أَرْبَعَةَ أَمْثَالِ أَكْثَرِ الْحَيْضِ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ أَكْثَرُ الْحَيْضِ عَشَرَةَ أَيَّامٍ عِنْدَ هَذَا الْقَائِل فَلِذَلِكَ قَالَ الشَّيْخُ وَرَوَوْا ذَلِكَ أَيْ تَعَدِّيَ الْحَيْضِ عَنْ أَنَسٍ وَعُثْمَانَ مَعَ أَنَّهُ قَدْ أَسْنَدَهُ إلَى عُثْمَانَ صَرِيحًا فِي الْمَبْسُوطِ فَقَالَ: رَوَى أَبُو أُمَامَةَ الْبَاهِلِيُّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «أَقَلُّ الْحَيْضِ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ وَأَكْثَرُهُ عَشَرَةُ أَيَّامٍ» وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَعُثْمَانَ بْنِ أَبِي الْعَاصِ الثَّقَفِيِّ وَأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ - وَأَفْسَدُوا شِرَاءَ مَا بَاعَ بِأَقَلَّ مِمَّا بَاعَ يَعْنِي قَبْلَ أَخْذِ الثَّمَنِ مَعَ أَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي جَوَازَهُ كَمَا قَالَ الشَّافِعِيُّ؛ لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي الْمَبِيعِ قَدْ تَمَّ بِالْقَبْضِ لِلْمُشْتَرِي فَيَجُوزُ بَيْعُهُ مِنْ الْبَائِعِ بِمَا شَاءَ كَالْبَيْعِ مِنْ غَيْرِهِ وَكَالْبَيْعِ بِمِثْلِ الثَّمَنِ مِنْهُ عَمَلًا بِقَوْلِ عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَهُوَ مَا رَوَتْ أُمُّ يُونُسَ أَنَّ امْرَأَةً جَاءَتْ إلَى عَائِشَةَ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا - وَقَالَتْ: إنِّي بِعْت مِنْ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ خَادِمًا
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute