للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا الْهَوَى فَإِنْ كَانَ صَاحِبُهُ يَدْعُو النَّاسَ إلَيْهِ فَسَقَطَتْ عَدَالَتُهُ بِالتَّعَصُّبِ الْبَاطِلِ وَبِالسَّفَهِ وَكَذَلِكَ إنْ مَجَنَ بِهِ، وَكَذَلِكَ إنْ غَلَا حَتَّى كَفَرَ بِهِ مِثْلُ خِلَافِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ فِي الْإِمَامَةِ فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْعَصَبِيَّةِ وَصَاحِبُ الْهَوَى الْمَشْهُورُ بِهِ لَيْسَ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ

ــ

[كشف الأسرار]

فِعْلِ مَا يَعْتَقِدُهُ بَاطِلًا لَا يَتَحَرَّزُ عَنْ إظْهَارِ قَوْلٍ يَعْتَقِدُهُ بَاطِلًا أَيْضًا فَثَبَتَ أَنَّ الْفَاسِقَ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَإِنَّهُ لَا اعْتِبَارَ لِقَوْلِهِ وَافَقَ أَمْ خَالَفَ

وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِ الشَّافِعِيِّ كَأَبِي إِسْحَاقَ الشِّيرَازِيِّ وَإِمَامِ الْحَرَمَيْنِ: يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ: وَلَا يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ بِدُونِهِ؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ الْمُجْتَهِدَ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يُقَلِّدَ غَيْرَهُ بَلْ يَتْبَعُ فِيمَا يَقَعُ لَهُ مَا يُؤَدِّي إلَيْهِ اجْتِهَادُهُ فَكَيْفَ يَنْعَقِدُ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ فِي حَقِّهِ، وَاجْتِهَادُهُ يُخَالِفُ اجْتِهَادَ مَنْ سِوَاهُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إنَّ الْفَاسِقَ يَدْخُلُ فِي الْإِجْمَاعِ مِنْ وَجْهٍ وَيَخْرُجُ مِنْ وَجْهٍ.

وَبَيَانُ ذَلِكَ أَنَّ الْمُجْتَهِدَ الْفَاسِقَ إذَا أَظْهَرَ خِلَافَهُ يُسْأَلُ عَنْ دَلِيلِهِ لِجَوَازِ أَنَّهُ يَحْمِلُهُ فِسْقُهُ عَلَى اعْتِقَادِ شَرْعٍ لِغَيْرِ دَلِيلٍ فَإِذَا أَظْهَرَ مِنْ اسْتِدْلَالِهِ دَلِيلًا صَالِحًا عَلَى خِلَافِهِ يَرْتَفِعُ الْإِجْمَاعُ بِخِلَافِهِ وَصَارَ دَاخِلًا فِي جُمْلَةِ أَهْلِ الْإِجْمَاعِ وَإِنْ كَانَ فَاسِقًا؛ لِأَنَّهُ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ، وَإِنْ لَمْ يُظْهِرْ دَلِيلًا صَالِحًا عَلَى خِلَافِهِ لَمْ يُعْتَدَّ بِخِلَافِهِ وَيُفَارِقُ الْعَدْلَ الْفَاسِقَ فِي هَذَا؛ لِأَنَّ الْعَدْلَ إذَا أَظْهَرَ خِلَافَهُ جَازَ الْإِمْسَاكُ عَنْ اسْتِعْلَامِ دَلِيلِهِ؛ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ مَانِعَةٌ مِنْ اعْتِقَادِ شَرْعٍ لِغَيْرِ دَلِيلٍ

وَالْجَوَابُ عَنْهُ مَا ذَكَرْنَا أَنَّ ثُبُوتَ الْإِجْمَاعِ بِطَرِيقِ الْكَرَامَةِ بِنَاءً عَلَى صِفَةٍ وَهُوَ الْوَسَاطَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: ١٤٣] فَلَا يَثْبُتُ بِدُونِ هَذِهِ الصِّفَةِ أَلَا تَرَى أَنَّ كَافِرًا لَوْ خَالَفَ الْإِجْمَاعَ وَذَكَرَ دَلِيلًا صَالِحًا لَمْ يُلْتَفَتْ إلَى خِلَافِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِأَهْلٍ فَكَذَا الْفَاسِقُ قَوْلُهُ: (وَأَمَّا الْهَوَى) فَكَذَا يَعْنِي اتِّبَاعَ الْهَوَى وَالْبِدْعَةِ مَانِعٌ مِنْ أَهْلِيَّةِ الْإِجْمَاعِ بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ صَاحِبُهُ دَاعِيًا إلَيْهِ أَوْ مَاجِنًا بِهِ، أَوْ يَكُونَ غَالِبًا فِيهِ بِحَيْثُ يَكْفُرُ بِهِ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ يَدْعُو النَّاسَ إلَى مُعْتَقَدِهِ سَقَطَتْ عَدَالَتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَعَصَّبُ لِذَلِكَ حِينَئِذٍ تَعَصُّبًا بَاطِلًا حَتَّى يُوصَفَ بِالسَّفَهِ فَيَصِيرَ مُتَّهَمًا فِي أَمْرِ الدِّينِ فَلَا يُعْتَبَرُ قَوْلُهُ فِي الْإِجْمَاعِ وَالتَّعَصُّبُ تَفَعُّلٌ مِنْ الْعَصَبِيَّةِ، وَهِيَ الْخَصْلَةُ الْمَنْسُوبَةُ إلَى الْعُصْبَةِ، وَهِيَ التَّقْوِيَةُ وَالنُّصْرَةُ وَرَأَيْت فِي بَعْضِ الْحَوَاشِي أَنَّ الْمُتَعَصِّبَ مَنْ يَكُونُ عَقِيدَتُهُ مَانِعَةً مِنْ قَبُولِ الْحَقِّ عِنْدَ ظُهُورِ الدَّلِيلِ، وَكَذَلِكَ إنْ مَجَنَ بِالْهَوَى أَيْ لَمْ يُبَالِ بِمَا قَالَ وَمَا صَنَعَ وَمَا قِيلَ لَهُ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْمُبَالَاةِ مُسْقِطٌ لِلْعَدَالَةِ أَيْضًا وَمَصْدَرُهُ الْمُجُونُ وَالْمَجَانَةُ اسْمٌ مِنْهُ، وَالْفِعْلُ مِنْ بَابِ طَلَبَ وَكَذَلِكَ إنْ غَلَا فِيهِ حَتَّى وَجَبَ إكْفَارُهُ بِهِ لَا يُعْتَبَرُ خِلَافُهُ وَوِفَاقُهُ أَيْضًا لِعَدَمِ دُخُولِهِ فِي مُسَمَّى الْأُمَّةِ الْمَشْهُودِ لَهَا بِالْعِصْمَةِ وَإِنْ صَلَّى إلَى الْقِبْلَةِ وَاعْتَقَدَ نَفْسَهُ مُسْلِمًا؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَيْسَتْ عِبَارَةً عَنْ الْمُصَلِّينَ إلَى الْقِبْلَةِ بَلْ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهُوَ كَافِرٌ وَإِنْ كَانَ لَا يَدْرِي أَنَّهُ كَافِرٌ

وَقَوْلُهُ: مِثْلُ خِلَافِ الرَّوَافِضِ وَالْخَوَارِجِ فِي الْإِمَامَةِ أَيْ خِلَافِ الرَّوَافِضِ فِي إمَامَةِ الشَّيْخَيْنِ وَخِلَافِ الْخَوَارِجِ فِي إمَامَةِ عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - نَظِيرِ الْقِسْمِ الْأَوَّلِ وَلِهَذَا قَالَ: فَإِنَّهُ مِنْ جِنْسِ الْعَصَبِيَّةِ وَنَظِيرُ الْقِسْمِ الثَّانِي مَا نُقِلَ عَنْ الرَّوَافِضِ مِنْ الْهَذَيَانَاتِ فِي حَقِّ الصَّحَابَةِ وَالْحِكَايَاتِ الَّتِي افْتَرَوْهَا عَلَيْهِمْ حَمَلَهُمْ عَلَى ذَلِكَ تُحَابِيهِمْ وَتَعَصُّبُهُمْ فِي هَوَاهُمْ وَنَظِيرُ الْقِسْمِ الثَّالِثِ مَا نُقِلَ عَنْ بَعْضِ الْمُجَسِّمَةِ مِنْ الْغُلُوِّ فِي التَّشْبِيهِ وَعَنْ بَعْضِ الرَّوَافِضَةِ مِنْ الْغُلُوِّ فِي أَمْرِ عَلِيٍّ حَتَّى قَالُوا: غَلِطَ جِبْرِيلُ فِي تَبْلِيغِ الْوَحْيِ إلَى مُحَمَّدٍ وَعَنْ بَعْضِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ مِنْ نَفْيِ عِلْمِ اللَّهِ - تَعَالَى - بِالْمَعْدُومِ حَتَّى قَالُوا: لَمْ يَعْلَمْ اللَّهُ شَيْئًا حَتَّى خَلَقَ الْأَشْيَاءَ فَهَذَا كُلُّهُ كُفْرٌ

قَوْلُهُ: (وَصَاحِبُ الْهَوَى الْمَشْهُورُ) بِهِ أَيْ الَّذِي غَلَا فِي هَوَاهُ حَتَّى خَرَجَ عَنْ رِبْقَةِ الْإِسْلَامِ لَيْسَ مِنْ الْأُمَّةِ عَلَى الْإِطْلَاقِ جَوَابٌ عَمَّا ذَكَرُوا أَنَّهُ مِنْ الْأُمَّةِ بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «سَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى ثَلَاثٍ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً» فَيُشْتَرَطُ

<<  <  ج: ص:  >  >>