للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهُمْ أَهْلُ حَضْرَةِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إلَّا أَنَّ هَذِهِ أُمُورٌ زَائِدَةٌ عَلَى الْأَهْلِيَّةِ وَمَا ثَبَتَ بِهِ الْإِجْمَاعُ حُجَّةٌ لَا يُوجِبُ الِاخْتِصَاصَ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَإِنَّمَا هَذَا كَرَامَةُ الْأُمَّةِ وَلَا اخْتِصَاصَ لِلْأُمَّةِ بِشَيْءٍ مِنْ هَذَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

ــ

[كشف الأسرار]

وَقَدْ أَجْمَعْنَا عَلَى صِحَّةِ إجْمَاعِ مَنْ يَبْقَى مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْدَ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَبَعْدَ مَنْ مَاتَ بَعْدَهُ مِنْ الصَّحَابَةِ وَلَيْسَ ذَلِكَ إلَّا؛ لِأَنَّ الْمَاضِيَ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ كَمَا أَنَّ الْآتِيَ غَيْرُ مُنْتَظَرٍ

وَقَوْلُهُمْ: الْعِلْمُ بِاتِّفَاقِ الْكُلِّ لَا يَحْصُلُ إلَّا عِنْدَ مُشَاهَدَةِ الْكُلِّ فَاسِدٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّ حَاصِلَهُ يَرْجِعُ إلَى تَعَذُّرِ حُصُولِ الْإِجْمَاعِ فِي غَيْرِ زَمَانِ الصَّحَابَةِ وَهَذَا لَا نِزَاعَ فِيهِ إنَّمَا النِّزَاعُ فِي أَنَّهُ لَوْ حَصَلَ كَانَ حُجَّةً وَكَذَا شُبْهَتُهُمْ الثَّالِثَةُ فَاسِدَةٌ أَيْضًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ صَحَّ مَا قَالُوا لَزِمَ امْتِنَاعُ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ عَلَى الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ بِعَيْنِ مَا ذَكَرُوا، وَهُوَ بَاطِلٌ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى كَثِيرٍ مِنْ الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ وَلَئِنْ سَلَّمْنَا إجْمَاعَهُمْ عَلَى تَجْوِيزِ الِاجْتِهَادِ فَهُوَ مَشْرُوطٌ بِعَدَمِ الْإِجْمَاعِ وَحِينَئِذٍ لَا يَلْزَمُ التَّعَارُضُ؛ لِأَنَّ الْإِجْمَاعَ إذَا وُجِدَ عَلَى حُكْمِ الْمَسْأَلَةِ زَالَ شِرْكُ الْإِجْمَاعِ عَلَى التَّجْوِيزِ فَيَزُولُ بِزَوَالِ شَرْطُهُ وَكَذَا مَا تَمَسَّكَ بِهِ الْفَرِيقُ الثَّانِي؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ} [الأحزاب: ٣٣] أَزْوَاجُ النَّبِيِّ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - عِنْدَ عَامَّةِ أَهْلِ التَّفْسِيرِ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا أَنَّ الْمُرَادَ قَرَابَةُ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فَالْمُرَادُ مِنْ الرِّجْسِ الشِّرْكُ أَوْ الْإِثْمُ أَوْ الشَّيْطَانُ أَوْ الْأَهْوَاءُ وَالْبِدَعُ أَوْ الْبُخْلُ وَالطَّمَعُ عَلَى مَا ذُكِرَ فِي التَّفْسِيرِ فَلَا يَصِحُّ الِاجْتِمَاعُ بِهِ وَكَذَا قَوْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «تَرَكْت فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ» مِنْ الْآحَادِ، وَخَبَرُ الْوَاحِدِ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُمْ عَلَى أَنَّهُ يُفِيدُ وُجُوبَ التَّمَسُّكِ بِالْكِتَابِ وَالْعِتْرَةِ لَا بِالْعِتْرَةِ وَحْدَهَا مَعَ أَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَحْوِ «أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ» الدَّالِّ عَلَى جَوَازِ التَّمَسُّكِ بِقَوْلِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الصَّحَابَةِ وَكَوْنِ الْمُتَمَسِّكِ بِهِ مُهْتَدِيًا، وَإِنْ خَالَفَ ذَلِكَ الصَّحَابِيُّ أَهْلَ الْبَيْتِ وَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ قَوْلُهُمْ وَاجِبَ الِاتِّبَاعِ.

وَكَذَا مَا تَمَسَّكَ بِهِ مَالِكٌ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ تَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ فَضْلِهَا لَا عَلَى أَنَّ إجْمَاعَ أَهْلِهَا دُونَ غَيْرِهِمْ حُجَّةٌ قَطْعِيَّةٌ يَجِبُ مُتَابَعَتُهُ ضَرُورَةً بَلْ مُوَافَقَةُ الْغَيْرِ شَرْطٌ فِي وُجُوبِ الْمُتَابَعَةِ، وَلِأَنَّ الْخَبَثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ كَرِهَ الْمُقَامَ بِهَا؛ إذْ كَرَاهَةُ ذَلِكَ مَعَ جِوَارِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَمَسْجِدِهِ وَمَا وَرَدَهُ مِنْ الْبِنَاءِ عَلَى الْمُقِيمِينَ بِهَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ الدِّينِ أَوْ؛ لِأَنَّ نَفْيَهَا الْخَبَثَ مَخْصُوصٌ بِزَمَانِ الرَّسُولِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَقَوْلُهُ «الْمَدِينَةُ دَارُ الْهِجْرَةِ» إلَى آخِرِهِ مُسَلَّمٌ، وَلَكِنْ لَا يَدُلُّ ذَلِكَ عَلَى الِاحْتِجَاجِ بِإِجْمَاعِ أَهْلِهَا فَإِنَّ مَكَّةَ مَعَ اشْتِمَالِهَا عَلَى الْبَيْتِ وَالْمَقَامِ وَالزَّمْزَمِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَمَوَاضِعِ الْمَنَاسِكِ وَكَوْنِهَا مَوْلِدَ النَّبِيِّ وَمَنْشَأَ إسْمَاعِيلَ وَمَنْزِلَ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - لَا يَكُونُ إجْمَاعُ أَهْلِهَا حُجَّةً، وَلَمْ يَذْهَبْ إلَيْهِ أَحَدٌ فَعَرَفْنَا أَنَّهُ لَا أَثَرَ لِلْبِقَاعِ فِي ذَلِكَ بَلْ الِاعْتِبَارُ لِعِلْمِ الْعُلَمَاءِ وَاجْتِهَادِ الْمُجْتَهِدِينَ، وَلَوْ كَانُوا فِي دَارِ الْحَرْبِ مَثَلًا قَالَ السَّمْعَانِيُّ: وَكَمَا أَنَّ الْمَدِينَةَ كَانَتْ مَجْمَعَ الصَّحَابَةِ وَمَهْبِطَ الْوَحْيِ فَقَدْ كَانَتْ دَارَ الْمُنَافِقِينَ وَمَجْمَعَ أَعْدَاءِ الدِّينِ وَفِيهِمْ مَنْ قَالَ: {لا تُنْفِقُوا عَلَى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ حَتَّى يَنْفَضُّوا} [المنافقون: ٧] ، وَمَنْ قَالَ: {لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ} [المنافقون: ٨] وَمِنْهَا الْمَارِدُونَ عَلَى النِّفَاقِ وَفِيهَا طُعِنَ عُمَرُ وَحُوصِرَ عُثْمَانُ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا - حَتَّى قُتِلَ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِبَعْضِ أَهْلِ الْعِرَاقِ مِنْ عِنْدِنَا خَرَجَ الْعِلْمُ فَقَالَ نَعَمْ وَلَكِنْ لَمْ يَعُدْ إلَيْكُمْ

قَالَ الْغَزَالِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ -: إنْ أَرَادَ مَالِكٌ أَنَّ الْمَدِينَةَ هِيَ الْجَامِعَةُ لِلصَّحَابَةِ فَذَلِكَ لَيْسَ بِمُسَلَّمٍ لَهُ؛ لِأَنَّهَا لَمْ تَجْمَعْ جَمِيعَ الْعُلَمَاءِ لَا قَبْلَ الْهِجْرَةِ وَلَا بَعْدَهَا بَلْ لَا يَزَالُونَ مُتَفَرِّقِينَ فِي الْأَسْفَارِ وَالْغَزَوَاتِ وَالْأَمْصَارِ، وَقَدْ ارْتَحَلَ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ إلَى الشَّامِ وَنَيِّفٌ وَثَلَاثُمِائَةٍ إلَى الْعِرَاقِ وَفِرْقَةٌ جَمَّةٌ إلَى خُرَاسَانَ وَسَائِرِ

<<  <  ج: ص:  >  >>