للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اشترك في فتنة عثمان، مما زاد الأمر سوءاً وجعله يظهر وكأنه مشترك بقتله وليس الأمر كذلك (١)، فقد كان محاصَراً في بيته كعثمان - رضي الله عنه - (٢).

هذا الموجز يظهر ما كان عليه الحال في بداية عهد علي - رضي الله عنه - والذي ما كان أحد يستطيع أن يتدبر أمره فيه حتى ولو كان علياَ - رضي الله عنه -، فقد عكست هذه البداية آثارَها على حرب علي - رضي الله عنه - لمعاوية - رضي الله عنه -، فقد جاءت هذه الحرب وقد كلَّت النفوس وضعفت الهمم من الفتن المتلاحقة والاستنفار المتتابع.

ويبقى الحدث الأهم في خلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - فيما يتعلق بالبحث - هو الخلاف الذي حصل بينه وبين معاوية - رضي الله عنه - والذي أدى من الناحية العملية إلى تعدد الخلفاء بعد حادثة التحكيم، وخلعِ سيدِِنا أبي موسى الأشعري لسيدنا علي وتثبيت عمرو بن العاص لمعاوية، حيث بدأ سيدنا معاوية بعدها بإعلان نفسه خليفة في الشام (٣).

لقد بدأ الخلاف بين علي - رضي الله عنه - ومعاوية - رضي الله عنه - منذ اللحظة الأولى لخلافة سيدنا علي - رضي الله عنه - فقد طالب معاويةُ - رضي الله عنه - وعددٌ من الصحابة (٤) بالقصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه -، وشَرَطَ معاويةُ - رضي الله عنه - الأخذَ بالقصاص قبل أن يبايع علياً - رضي الله عنه - (٥)، ولم يكن الأمر بالسهولة التي كان يظنها معاوية - رضي الله عنه - أو لعله كان يعرف أن سيدنا علياً - رضي الله عنه - لا يستطيع أن ينفذ هذا الأمر (٦)، وقد أدرك سيدُنا علي - رضي الله عنه - هذا، وهو الذي عاش


(١) انظر مثلاً إشارته لمحمد بن أبي بكر بالاستعانة بكنانة بن بشر التجيبي - وهو الذي باشر قتل عثمان - ضد عمرو بن العاص ومن معه عندما جاؤوا إلى مصر ليحاربوه عليها. في تاريخ الطبري: ٣/ ١٣١.
(٢) تاريخ الطبري: ٣/ ١١.
(٣) فتح الباري لابن حجر: ١٣/ ٢١٤. البداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ٣٤٧.
(٤) لم يكن معاوية - رضي الله عنه - هو الوحيد الذي طالب بالقصاص، فقد طالب به بداية طلحة - رضي الله عنه - والزبير - رضي الله عنه - رغم اشتراكهما - كغيرهما من الصحابة - بتأليب الناس على عثمان - رضي الله عنه -، ولكنهما لم يريدا أن تصل الأمور إلى ما وصلت إليه. انظر لمعرفة ذلك ولمعرفة رأي علي - رضي الله عنه -: تاريخ الطبري: ٢/ ٧٠٢ - ٧٠٣. والفتنة ووقعة الجمل للأسدي: ص ٩٧. المنية والأمل لابن المرتضى: ص ٩٢.
(٥) شرح المقاصد للتفتازاني: ٥/ ٢٥٥.
(٦) وهذا ما أشار إليه شبث بن ربعي لما بعثه علي - رضي الله عنه - إلى معاوية - رضي الله عنه - عندما قال له: إنه والله لا يخفى علينا ما تغزو وما تطلب، إنك لم تجد شيئاً تستغوي به على الناس وتستميل به أهواءهم وتستخلص به طاعتهم، إلا قولك قتل إمامكم مظلوماً فنحن نطلب بدمه، فاستجاب له سفهاء طغام (أي: حمقى)، وقد علمنا أن قد أبطأتَ عنه - أي عن عثمان - رضي الله عنه - بالنصر وأحببتَ له بالقتل لهذه المنزلة التي أصبحت تطلب. تاريخ الطبري: ٣/ ٧٧. صفين لنصر بن مزاحم: ص ١٨٧. ولعل الذي كان وراء موقف معاوية هذا ما نقله المغيرة بن شعبة إليه من رفض علي لنصيحته بإبقاء معاوية والياً حتى تستقر الأمور، فعرف أنه إن بايع أولاً فسيعزله علي = = - رضي الله عنه - ويفقد الشام، فأعلن مطالبته بالقصاص من قتلة عثمان - رضي الله عنه - قبل أن يبايع، وهو يعلم صعوبة الأمر. انظر نصيحة المغيرة لعلي والتي أقرها ابن عباس في تاريخ الطبري: مج ٢/ ٧٠٣، ٧٠٤. والبداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ٢٥٥. مروج الذهب للمسعودي: ١/ ٣١٥. وكان علي - رضي الله عنه - قد اتبع نصيحة أمرائه ممن باشر قتل عثمان - رضي الله عنه - بعزل معاوية - رضي الله عنه - فلم يتم الأمر. انظر: البداية والنهاية لابن كثير: ٨/ ٢٣.

<<  <   >  >>