للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الفتنة بتفاصيلها لحظة بلحظة، وعرف قوة الذين أشعلوا الفتنة وقوة عصبيتهم (١) فأراد أن يُهدِّأ الأمور أولاً حتى يستتب الأمن ثم يقتصُّ من قتلة عثمان - رضي الله عنه - (٢)، وكان هذا يعني أن يبايع معاويةُ علياً، وبالفعل فهذا ما عرضه عليٌ على معاوية، ولكنَّه أباه وكان يُعرِّض بدور علي فيما حصل لعثمان (٣) وخاصة بعد المواقف العديدة التي


(١) لما بعث عثمانُ بن حنيف عاملُ علي على البصرة بكعب بن سور إلى المدينة ليسأل هل بايع طلحةُ والزبيرُ مُكرَهين أو لا، بناء على الاتفاق الذي أبرمه معهما ومع السيدة عائشة، بعد نزاع بينهما في البصرة للسيطرة عليها وقتلِ قتلة عثمان فيها، أقول مما يدل على قوة الفتنة هو أنه لما سأل كعبٌ الصحابةَ في المدينة لم يجبه أحد منهم، فلما قال له أسامة بن زيد أنهما بايعا مكرهين، وثب الناس في وجهه ومنهم سهل بن حنيف، فخشي الصحابة على أسامة أن يقتل فقام عدد منهم - من بينهم صهيب بن سنان وأبو أيوب بن زيد ومحمد بن مسلمة- فقالوا مثله فتركه الناس. انظر: تاريخ الطبري: ٣/ ١٧. البداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ٢٦٠.
(٢) لا شك أن سيدنا علياً - رضي الله عنه - كان سيأخذ بالقصاص من قتلة عثمان بعد أن يستتب الأمر وتهدأ الفتنة، فقد اقتص ممن قتل عبدَ الله بن خباب وزوجتَه من الخوارج، وعثمان - رضي الله عنه - ليس أقل عنده منهما. انظر: الكامل لابن الأثير: ٣/ ٨٥. تاريخ الطبري: ٢/ ٧٠٢ - ٧٠٣ و: ٣/ ١١٩، ١٢٠. البداية والنهاية لابن كثير: ٧/ ٢٥٥. البحر الزَّخَّار لابن المرتضى: ٥/ ٤٢٣. المنية والأمل لابن المرتضى: ص ٩٢. الفصل في الملل لابن حزم: ٤/ ١٢٦. حاشية العدوي على كفاية الطالب: ١/ ١٣٠. وهذا هو رأي الإمامية: حيث قالوا: " ولو أتلف الباغي على العادل مالاً أو نفساً في حال الحرب ضمنه ". انظر: شرائع الإسلام للحلي: ١/ ٣٠٩.
(٣) صفين لنصر بن مزاحم: ص ٨٢. وقد ورد ما يدل على أن هذا ما كان قد شاع بين بعض الصحابة وليس فقط عند معاوية - رضي الله عنه -؛ انظر: المستدرك على الصحيحين: ٣/ ١١٤ رقم (٤٥٦٧): جاء علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - إلى زيد بن أرقم - رضي الله عنه - يعوده وعنده قوم فقال علي - رضي الله عنه -: اسكنوا أو اسكتوا فو الله لا تسألوني عن شيء إلا أخبرتكم. فقال زيد - رضي الله عنه -: أنشدك الله أنت قتلت عثمان - رضي الله عنه -؟ فأطرق علي - رضي الله عنه - ساعة ثم قال: والذي فلق الحبة وبرأ النسمة ما قتلته ولا أمرت بقتله. وانظر: نهاية المحتاج للرملي: ٧/ ٤٠٣ حيث أشار إلى تبرأ علي - رضي الله عنه - من قتل عثمان. تاريخ الطبري: ٣/ ٣٧ عندما قال طلحة - رضي الله عنه - لعلي - رضي الله عنه - قبل بدء القتال في وقعة الجمل: ألَّبتَ الناسَ على عثمان - رضي الله عنه -، فقال علي - رضي الله عنه -: يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق ويعلمون أن الله هو الحق المبين، يا طلحة تطلب بدم عثمان - رضي الله عنه - فلعن الله قتلة عثمان - رضي الله عنه -. وانظر أيضاً تاريخ الطبري: ٢/ ٧٠٤ حيث اتهم عليٌ - رضي الله عنه - بدوره طلحةَ - رضي الله عنه - والزبيرَ - رضي الله عنه - بقتل عثمان - رضي الله عنه -، أي بشكل غير مباشر، ويبدو أن الزبير - رضي الله عنه - كان أيضاً من الطامعين بالخلافة ومنذ وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد تأخر عن مبايعة أبي بكر - رضي الله عنه - قليلاً، وكان الناس يعلمون أهليته للخلافة ويتوقعونها له بعد عثمان - رضي الله عنه - كما حصل من عثمان - رضي الله عنه - في عام الرعاف. انظر مسند أحمد: ١/ ٥٠٤ رقم (٤٥٥) من مسند عثمان ابن عفان بلفظ: «أصاب عثمان رعاف سنة الرعاف حتى تخلف عن الحج وأوصى، فدخل عليه رجل من قريش فقال: استخلف. قال: وقالوه؟ قال: نعم قال: من هو؟ قال: فسكت، قال: ثم دخل عليه رجل آخر فقال له مثل ما قال الأول، ورد عليه نحو ذلك، قال: فقال عثمان: قالوا الزبير؟ قال: نعم. قال: أما والذي نفسي بيده إن كان لخيرهم ما علمت، وأحبهم إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم -».

<<  <   >  >>