للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الموجود في الكتاب والسُّنَّة يدل على أنَّ هذا الاسم يتناول كل من خَلَفَ غيره، سواء استخلفه أو لم يستخلفه، فقوله - عز وجل -: {ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ} يونس/١٤. وقوله - عز وجل -: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلَائِفَ الْأَرْضِ} الأنعام/١٦٥، وقوله - عز وجل -: {وَلَوْ نَشَاءُ لَجَعَلْنَا مِنْكُمْ مَلَائِكَةً فِي الْأَرْضِ يَخْلُفُونَ} الزخرف/٦٠. وغيرها، يدل على الخلافة دون استخلافٍ ممن قبله. وقوله - عز وجل -: {وَقَالَ مُوسَى لِأَخِيهِ هَارُونَ اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي} الأعراف/١٤٢، يدل على الاستخلاف. وإن كان الغالب في الاستعمال للكلمة هو من كان خليفة عن الأول وإن كان الأول لم يستخلفه، ومعلوم أنَّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لم يستخلِف واحداً معيناً، وكان عمر - رضي الله عنهم - يقول: «إنْ أستخلفْ فقد استخلَف من هو خير مني أبو بكر، وإن أترك فقد ترك من هو خير مني رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -» (١). وكان - رغم عدم استخلاف النبي - صلى الله عليه وسلم - لأبي بكر - رضي الله عنه - يقول لأبي بكر: يا خليفة رسول الله، فعُلم أنَّ الاسم عامٌ فيمن خَلَفَ غيرَه. اهـ (٢). وهذا هو رأي ابنُ تيمية (٣)، ولكن الأمثلة التي ضربها - رحمه الله - للدلالة على أنَّ كلمة (خليفة) تطلق على من كان خليفة دون استخلاف، إنَّما هي أمثلة لا تَدلُّ على ما استَدَل عليه منها، لأنَّ هذه الآيات كلَّها تنطق بأنَّ الله هو الذي جعلهم خلائفَ إذاً فهو المستخلِف، ولم يَخْلُفوا دون استخلاف، ولئن لم يظهر لنا كيف استخلَفهم الله فلأنَّ هذا من شؤون التدبير والقدرة الإلهية، ومظهرُها اتفاقُ الناس على خليفة (٤).


(١) صحيح البخاري: ٦/ ٢٦٣٨ كتاب الأحكام، باب الاستخلاف، رقم الحديث (٦٧٩٢) عن ابن عمر. صحيح مسلم: كتاب الإمارة، باب الاستخلاف وترْكُه، رقم الحديث (١٨٢٣) عن ابن عمر. المستدرك: ٣/ ١٠١ رقم (٤٥٢٦) عن ابن عمر، ولم يعلق عليه الذهبي. والترمذي في سننه: ٤/ ٥٠٢ كتاب الفتن باب ما جاء في الخلافة رقم (٢٢٢٥) عن ابن عمر. وسنن أبي داود: ٣/ ١٣٣ كتاب الخراج، باب في الخليفة يستخلف رقم (٢٩٣٩) عن ابن عمر. ومسند أحمد: ١/ ٣٩٣ في مسند عمر بن الخطاب رقم (٢٩٩) قال محقق الكتاب: إسناده صحيح على شرط الشيخين. وسنن البيهقي الكبرى: ٨/ ١٤٨ كتاب قتال أهل البغي، باب الاستخلاف، عن عمر بن الخطاب، بدون رقم. ومسند أبي يعلى: ١/ ١٨٢ رقم (٢٠٦) عن ابن عمر.
(٢) المحيط في اللغة لابن عباد: ٤/ ٣٤٦ مادة (خلف). معجم متن اللغة لأحمد رضا: ٢/ ٣٢٣ مادة (خلف). لسان العرب لابن منظور: ٩/ ٨٢ - ٨٣ مادة (خلف). الصحاح للجوهري: ١/ ٣٦٥ مادة (خلف). منهاج السنة النبوية لابن تيمية: ٣/ ١٠، ٥٢٠، ٥٢١. وانظر: الإمامة من كتاب المغني للقاضي عبد الجبار: ص ١٧٢. والموسوعة الفقهية: ٦/ ٢١٦ وما بعدها (الإمامة الكبرى).
(٣) انظر ترجمة ابن تيمية في فهرس الأعلام: رقم (٥).
(٤) مما يدل صراحة أن الله هو المستخلف ما رواه البخاري في صحيحه: ٣/ ١٤٠٥ كتاب المناقب، باب هجرة = = الحبشة رقم (٣٥٨٣) عن عثمان - رضي الله عنه - وفيه: «ثم استخلف الله أبا بكر».

<<  <   >  >>