للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

مجال الضرورة لتشمل غير المطعومات والأشربة التي نصَّت عليها الآيات. وهذا كله بهدف إنقاذ النفس، ومعلوم أن الحفاظ على النفس يأتي في المرتبة الثانية بعد الحفاظ على الدين. إذاً فاعتماد الضرورة في المجال السياسي إذا تعلق به حفظ الدين وحفظ الأمة جائز من باب أولى، وخاصة أن الأمور العامة تأخذ الأولوية والأهمية القصوى في دين الله.

ما سبق من الاستدلال يفتح الباب واسعاً في إعطاء الشرعية للدول الإسلامية المتعددة في العصر الحالي مراعاةً للضرورة بسبب تعذر توحيدها، ومما يدعم هذا التوجه ما تتعرض له الدول الإسلامية من ضغوط شديدة إذا حاولت بصورة أو أخرى أن تتقارب فيما بينها، حتى يمكن اعتبار بعض هذه الضغوط في درجة الإكراه، والإكراه - كما مر - والعسر أو الحرج، وخاصة إذا كان عاماً، من الأسباب المبيحة لترك الواجب واللجوء إلى أحكام الضرورة؛ لأن الحاجة العامة تنزل منزلة الضرورة الخاصة كما نصت عليه القواعد الفقهية، وهذا متوفر في تحقيق الوحدة الإسلامية هذه الأيام؛ أما العسر والحرج فواضح، وأما الإكراه فمعروف للسياسيين وله صور متعددة، وقد ذكر الكمال بن الهمام من أنواع الإكراه الإكراه الأدبي أو المعنوي؛ وهو الذي يعدم تمام الرضا ولا يعدم الاختيار، كالتهديد بحبس أحد الأصول أو الفروع أو الأخوة أو الأخوات ونحوهم وحكمه كما قرر الكمال بن الهمام من الحنفية: أنه إكراه شرعي استحساناً لا قياساً (١).

ولأنَّ الأمَّة - كما هو ملاحظ - قد تجاوزت قدر الضرورة في جواز تعدد القيادات الإسلامية ولم تتقيد بضوابط الضرورة فيها، لا بد أن أذكر أن مراعاة الضرورة لا تكون أبداً إلا لمصلحة مؤقتة وليست دائمة، وإلا لكانت هي الأصل، فبمجرد التمكن من العودة إلى المصلحة الأصلية يجب الرجوع إلى الأصل، لأن المصلحة المتحققة في حالة الضرورة مصلحة استثنائية، وهذا يعني ضرورة السعي للخروج من حالة الضرورة، لأن الهدف من تشريع أحكام الضرورة هو التخفيف


(١) شرح الدر المختار للحصكفي: ٦/ ١٢٨ كتاب الإكراه. المبسوط للسرخسي: ٢٤/ ١٤٤ كتاب الإكراه، باب الخيار في الإكراه. نظرية الضرورة للدكتور وهبة الزحيلي: ص ٨٣.

<<  <   >  >>