للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الجويني لم يَقُلْ بجواز التعدد عند تباعد الأراضي، لكنه أجاز تعيين أمير آخر في البلد البعيد ولكنه لم يُسَمِّه خليفةً، وقد بيَّن الجويني رأيه هذا في كتابه (غياث الأمم) بقوله: «تباينت المذاهب إذا كانت الحالة بحيث لا ينبسط رأي الإمام الواحد على الممالك، وذلك يتصور بأسباب: أ- منها اتساع الخِطَّة وانسحاب الإسلام على أقطار متباينة، وقد يقع قوم في نبذة من الدنيا لا ينتهي إليهم نظر الإمام. ب- وقد يتولج خط من ديار الكفر بين خطة الإسلام، وينقطع بسبب ذلك نظر الإمام عن الذين وراءه من المسلمين، فإذا اتفق ما ذكرناه، فقد صار صائرون عند ذلك إلى تجويز نصب إمام في كل قطر لا يبلغه نظر الإمام، ويعزى هذا المذهب إلى شيخنا أبي الحسن والأستاذ أبي إسحاق الإسفراييني.

وأنا أقول مستعيناً بالله: - والقائل هو الجويني- إن سبق عقدُ الإمامة لصالح لها، وكنَّا نراه عند العقد مستقلاً بالنظر في جميع الأقطار ثمَّ ظهر ما يمنع من انبثاث نظره، فلا وجه لترك الذين لا يبلغهم أمر الإمام مهملين ولكنَّهم ينصبون أميراً يرجعون إلى رأيه، ويصدرون عن أمره، ويلتزمون شرعة المصطفى - صلى الله عليه وسلم - فيما يأتون ويذرون، ولا يكون ذلك المنصوب إماماً، ولو زالت الموانع واستمكن الإمام من النظر لهم أذعن الأمير والرعايا للإمام، فإن رأى تقرير من نصبوه فَعَل وإن رأى تغيير الأمير فرأيه المتبوع.

وإن لم يتقدم نصب إمام، ولكن خلا الدهر عن إمام في زمنِ فترةٍ وانفصل شطرٌ من الخطة عن شطر، وعَسُر نصب إمام واحد يشمل رأيه البلاد والعباد، فنُصِبَ أميرٌ في أحد الشطرين للضرورة في هذه الصورة، ونُصِبَ في القطر الآخر منصوب، ولم يقع العقد الواحد على حكم العموم، فالحقُّ المتبع في ذلك أنَّ واحداً منهما ليس إماماً إذ الإمام هو الواحد الذي به ارتباط المسلمين أجمعين، ولست أنكر تجويز نصبهما على حسب الحاجة ونفوذ أمرهما على موجب الشرع، ولكنَّه زمان خالٍ عن الإمام، ثم إن اتفق نصب إمام فحق على الأميرين أن يستسلما له» (١).

كما أجاز بعض الفقهاء التعدد في البلدان البعيدة للضرورة:

فقد ذهب المالكية في قول (٢): إلى أنه إذا تباعدت البلاد وتعذرت الاستنابة


(١) غياث الأمم للجويني: ص ٩٢ - ٩٣.
(٢) حاشية الدسوقي: ٤/ ١٣٤ - ١٣٥. جواهر الإكليل للآبي: ١/ ٢٥١. الفواكه الدواني للنفراوي: ١/ ١٠٦. حاشية العدوي على هامش الخرشي: ٣/ ١٠٩. شرح منح الجليل لعليش: ٣/ ١٣٩. تفسير القرطبي: ١/ ٢٧٣. الموسوعة الفقهية: ٦/ ٢٢٦ (الإمامة الكبرى: شروط صحة ولاية العهد).

<<  <   >  >>