للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانت وفاة يزيد بن معاوية بمثابة نكسة مؤقتة لحكم الأمويين، فبوفاته أعلن عبد الله بن الزبير - كما مر - نفسه خليفة في ربيع الثاني عام ٦٤ هـ (١)، وكانت سنُّه تزيد على ستين سنة، فزادت قوة الحجاز ودان له اليمن، ونجح في السيطرة على المدينة وبايعه أهلها، وطرد الجالية الأموية التي كانت تقيم فيها وعلى رأسها مروان بن الحكم وولداه عبد الملك وعبد العزيز، وعين عليها أخاه عبيد الله بن الزبير.

وقامت في مصر معركة محدودة لنصرة ابن الزبير - رضي الله عنه - انتهت بإعلان بيعته بالخلافة، فعيَّن لها ابنُ الزبير عبد الرحمن بن جحدم الفهري.

وأما العراق وما وراءها فقد كان عبيد الله بن زياد يقبض على الأمور بيد من حديد، فارتقى منبر البصرة -عقب وفاة يزيد وتنازلِ معاوية الثاني- وخطب الناس يخيرهم في أمرهم ويُعرِّض لهم بنفسه فبايعوه بالخلافة، وطالب الكوفة بالبيعة فرفضوا، ولم تلبث البصرة أن ثارت عليه كذلك وولى البصريون واحداً منهم، وكاتبوا ابن الزبير يبايعونه بالخلافة، وفعلت الكوفة مثل ذلك، فقبل ابن الزبير منهم وأرسل إليهم عمالاً من قبله.

أما الشام معقل الأمويين فلم تكن أكثر من غيرها ولاء للأمويين، إذ خرج معظم جهاتها عن طاعة الأمويين، ذلك أن الشام كانت موزعة بين أربع ولايات - بالإضافة إلى دمشق عاصمة الدولة - وهي: إقليم الثغور ويشمل شمالي الجزيرة العراقية أيضاً وعاصمته قنسرين، ثم ولاية حمص، وفي الجنوب ولايتا الأردن وفلسطين، فأما قنسرين وحمص فقد أعلنتا طاعتهما لابن الزبير مبايعتين بالخلافة، وأما فلسطين فقد تركها واليها حسان بن مالك بن بحدل الكلبي خال معاوية الثاني (٢) وذهب إلى الأردن وأعلن تمسكه بخلافة الأمويين، وانضمت فلسطين بعد أن


(١) جاء في مآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ١٢٣ أن البيعة لابن الزبير ولمروان كانتا في رجب. وهو غير صحيح فابن الزبير بويع في ربيع الثاني سنة ٦٤ هـ، وكان مروان لا يزال بالمدينة لم يخرج بعد إلى دمشق التي بويع فيها بعد مؤتمر الجابية في الثالث من ذي القعدة سنة ٦٤ هـ. انظر: الكامل لابن الأثير: ٣/ ٤٨٠. وصحيح ابن حبان: ١٥/ ٣٤ حيث قال: «فاستوى الأمر لمروان يوم الأربعاء لثلاث ليال خلون من ذي القعدة سنة أربع وستين». طبقات ابن سعد: ٥/ ٤١.
(٢) انظر ترجمة حسان بن مالك في فهرس التراجم رقم (٥٠).

<<  <   >  >>