للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذات لون شعوبي (١).

وبعد وفاة محمد بن الحنفية التفَّ الشيعة حول ولده أبي هاشم عبد الله ونادوا بحقه في الإمامة، وقد جعل أبو هاشم يعيد ترتيب الدعوة إلى آل البيت، ويعمل على تنظيمها تنظيماً جديداً يمتاز بالسرية والإحكام، حتى يتمكن من إدراك هدفه وتحقيق غايته، ويبدو أن سليمان بن عبد الملك الخليفة الأموي «٩٦ - ٩٣هـ» قد أوجس خيفة من نشاطه والتفاف الناس حوله، فاستدعاه إلى دمشق، فلما التقى به وتحدث إليه، لمس فيه الذكاء المتقد والعلم الواسع والقدرة على الإقناع والتأثير في الناس، فدسَّ له من وضع له السم في شرابه في طريق عودته من الشام، فلما أحس بالسمِّ يسري في جسده توجه إلى علي بن عبد الله بن عباس وابنه محمد بالحميمة، فتنازل عن حقه في الخلافة لبني عباس، وأعلم محمداً أن الخلافة صائرة إلى ولده، وأفضى له بأسرار دعوته، وبيَّن له الأسلوب الأمثل الذي يجب أن يتبعه في الدعوة، أو كما يقول ابن الأثير: «وأعلمه كيف يصنع» (٢).

وعلى أساس هذه الوصية، ورث محمد بن علي العباسي حق الكيسانية في الإمامة، فما كاد أبو هاشم يموت حتى قصده الشيعة وبايعوه، ثم عادوا إلى مراكزهم، وبدأوا في نشر الدعوة لمحمد بن علي العباسي عن طريق الدعاة» (٣).

والحق أن الروايات التاريخية التي أشارت إلى وصية أبي هاشم لبني عباس بالخلافة من بعده تعاني شيئاً غير قليل من النقص والاضطراب، فهي لا تبين على وجه اليقين هل كانت تلك الوصية شفهية أم كانت مكتوبة، وكذلك فثمة خلاف فيمن دُفعت إليه: هل هو علي بن عبد الله أم ابنه محمد الذي قيل إنه كان صغيراً آنذاك (٤).

ولذلك فإن نفراً من المؤرخين المحدثين يردون على هذه الرواية القائلة بتنازل أبي هاشم عن حقه في الخلافة إلى محمد بن علي العباسي، ويستندون في ردهم إلى أن الدعوة العباسية شقت طريقها بعد ذلك باسم الدعوة لآل البيت أو الرضا من


(١) الملل والنحل للشهرستاني: ١/ ١٤٧. العصر العباسي الأول للدكتور السيد عبد العزيز سالم: ص ١٨، ١٩.
(٢) الكامل لابن الأثير: ٥/ ٤٤.
(٣) العصر العباسي الأول للدكتور السيد عبد العزيز سالم: ص ٢٠.
(٤) الكامل لابن الأثير: ٥/ ٤٤. مروج الذهب للمسعودي: ٣/ ٢٣٨، ٢٣٩.

<<  <   >  >>