للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثائرٍ ثالث - إن صح التعبير- على بني أمية هو عبد الله بن الزبير، الذي نجح في إعلان نفسه خليفة، وانضمت إليه مصر والعراق، وأغلب بلاد الشام إلى أن انقلبت الأمور عليه.

أما أبناء الأسرة العباسية فظلوا بمنأى عن النشاط السياسي والتطلعات نحو الخلافة حتى عهد عمر بن عبد العزيز (١٠٠ - ١٠١هـ)، وكانت صِلاتهم بالأمويين في مجموعها صِلات طيبة، تقوم على إظهار الطاعة والخضوع من جانب العباسيين، والاحترام والتكريم من جانب الخلفاء الأمويين (١)، ولعل من أبرز مظاهر هذا التكريم ما فعله عبد الملك بن مروان «٦٥ - ٨٦هـ» مع علي بن عبد الله بن عباس؛ حيث أقطعه قرية الحميمة (٢) بمنطقة البلقاء في بلاد الشام، وهي القرية التي شهدت بداية انطلاق الدعوة العباسية. وذلك في الوقت الذي أثار فيه مقتل الحسين حماسة المسلمين؛ فتوحدت صفوف الشيعة وزادت الدعوة لآل علي قوة، واشتد العداء بين الأمويين والعلويين الذين أثاروا الفتن والثورات في الولايات الإسلامية (٣).

إذ انتشر التشيع منذ ذلك التاريخ لآل البيت، ونادى فريق من الشيعة بعلي زين العابدين بن الحسين بن علي إماماً، وعُرف هؤلاء بـ «الشيعة الإمامية»، في حين قام فريق آخر بالدعوة لمحمد بن علي بن أبي طالب المعروف بـ «ابن الحنفية»؛ نسبة إلى قبيلة أمه خولة بنت قيس بن جعفر الحنفي، وهي قبيلة بني حنيفة، وكان يتزعم هذا الفريق المختار بن عبيد الثقفي، وقائد حرسه أبو عمرو كيسان؛ ولذلك عرفت هذه الدعوة بالمختارية أو الكيسانية، ونسبت في بعض الأحيان إلى أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية، فقيل لها: الهاشمية.

على أن محمد بن الحنفية كان زاهداً في الخلافة؛ ولذلك بايع - كما مر -عبدَ الملك بنَ مروان بعد نجاحه في القضاء على فتنة ابن الزبير؛ كذلك فقد تبرأ محمد بن الحنفية من الآراء المنحرفة التي نادى بها كيسان وما تضمنته من أباطيل


(١) العصر العباسي الأول: للدكتور فهمي عبد الجليل محمود: ص ١.
(٢) بلد من أرض الشراة من أعمال عمان في أطراف الشام، وأيضاً قرية ببطن مر من نواحي مكة. معجم البلدان: ٢/ ٣٠٧.
(٣) الكامل لابن الأثير: ٥/ ١٩٨، ١٩٩. تاريخ الإسلام للدكتور حسن إبراهيم حسن: ٢/ ١٠.

<<  <   >  >>