للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينتمون إلى بني هاشم، وأن دولتهم قد اشتقت اسمها من العباس بن عبد المطلب عم النبي - صلى الله عليه وسلم -. وقد آمن العباسيون إيماناً مطلقاً بحقهم في الخلافة، ويبين ذلك بياناً شافياً خطبة أبي العباس السفاح في أهل الكوفة، وهي الخطبة التي أتمها عمه داود بن علي، فكان مما قاله: « ... ألا وإنه ما صعد منبركم هذا خليفة بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وأمير المؤمنين عبد الله بن محمد ... واعلموا أن هذا الأمر فينا ليس بخارج منَّا حتى نسلمه إلى عيسى ابن مريم - صلى الله عليه وسلم -» (١).

ومع ذلك فقد كان العباسيون يدركون أن عدداً من المسلمين - من العرب أو الموالي الفرس- لا يرضون بخلافتهم، ويرون أن العلويين أحق بها، وأن العباسيين قد خدعوهم حين صدروا دعوتهم بهذا الشعار المضلل «الرضا من آل البيت» (٢).

ولذلك لجأ العباسيون في تثبيت حكمهم وتأكيد شرعيتهم إلى العلماء والقضاة والفقهاء، فجعلوا يقربونهم ويسبغون عليهم ألوان التقدير والاحترام، ويعتمدون عليهم في إدارة وظائف الدولة ومرافقها، ولا سيما القضاء.

ونعتقد أن العلماء والفقهاء والقضاة كانوا يؤسسون موقفهم من شرعية الخلافة العباسية على حكم الضرورة أو الواقع، فثمة حِكَمٌ كثيرة تترتب على الاعتراف بهذه الخلافة، ويدلنا هذا على مدى ما يمتاز به الفقه الإسلامي من مرونة تساير الواقع، وهذه الحِكَم المشار إليها هي أن يستمر الاعتراف بوجود الدولة وشرعيتها واتصال حياتها، وأن تُضفَى على الأحكام الصادرة عنها صفة الشرعية ولا سيما الأحكام الدينية، فينتفي بذلك الحرج عن الرعية، ولا تكون حياتهم مخالفة للدين، كما يكون هناك حفظ الوحدة والتعاون في الأمور العامة المشتركة بدل التنابذ والشقاق؛ حتى يقف الكل صفّاً واحداً تجاه الأعداء (٣).

ومن جانبه فقد أدرك الخليفة العباسي أبو جعفر المنصور «١٣٦ - ١٥٨هـ/٧٥٤ - ٧٧٥ م» الدور المهم للعلماء والقضاة في إرساء دعائم الدولة


(١) تاريخ الطبري: ٧/ ٤٢٨. الكامل لابن الأثير: ٥/ ٤١٥.
(٢) الخلافة والدولة في العصر العباسي للدكتور محمد حلمي: ص ٤٦ وما بعدها.
(٣) النظريات السياسية الإسلامية للدكتور ضياء الدين الريس: ص ٢٨٣.

<<  <   >  >>