للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العباسية، سواء من حيث إضفاء الشرعية على الخلافة، أو من حيث الاستفادة بقدراتهم العملية والعلمية في تصريف شؤون الدولة، فروي عنه أنه قال: ما كان أحوجني إلى أن يكون على بابي أربعة نفر لا يكون على بابي أعف منهم، فقيل له: من هم يا أمير المؤمنين؟ قال: هم أركان الملك، ولا يصلح الملك إلا بهم، كما أن السرير لا يصلح إلا بأربع قوائم إن نقصت واحدة تداعى، وذكر أول هؤلاء الأربعة فقال: أما أحدهم فقاض لا تأخذه في الله لومة لائم (١).

وقد نجح أبو جعفر المنصور في إقناع طائفة من كبار الفقهاء بقبول منصب القضاء، فكان ذلك اعترافاً ضمنيّاً منهم بشرعية الخلافة العباسية. ومن هؤلاء: ابن أبي ليلى الذي ولي قضاء الكوفة عشرين سنة «١٣٢ - ١٥٣هـ» (٢)، وشريك بن عبد الله الذي ولي قضاء الكوفة منذ سنة ١٥٣هـ ثم ضم إليه الخليفة العباسي المهدي قضاء بغداد سنة ١٥٨هـ (٣)، وسواد بن عبد الله الذي ولي قضاء البصرة من سنة ١٣٨هـ إلى سنة ١٥٦هـ.

على أن أشهر من ولي القضاء للعباسيين - غيرَ مدافَع- الفقيهُ الحنفي أبو يوسف تلميذ أبي حنيفة.

تولى القضاء سنة ١٦٦هـ في خلافة المهدي، واستمر في منصبه في عهد الهادي والرشيد، حتى توفي بعد خمسة عشر عاماً قضاها في منصب القاضي، ولم يكن أبو يوسف فقط قاضياً يطبق شرع الله بين المتخاصمين، ويحكم بين الناس بما أنزل الله، ولكنه قام بدور النصيحة السياسية والتوجيه للخليفة، كما قام بدور التقنين لنظم الخراج والزكاة، وقدم مقترحات كثيرة في كتابه الذي ألفه بطلب من الرشيد لحماية الرعية من عسف العمال وحفظ حق الدولة، فقد بدأ كتابه المسمى «كتاب الخراج» بنصيحة للرشيد، يبصره فيها بواجبه نحو رعيته ومسؤوليته عنها أمام ربه، ويحذره من عاقبة التضييع لهذه المسؤولية، فقال له: يا أمير المؤمنين إن الله - وله الحمد - قد قلَّدك أمراً عظيماً، ثوابه أعظم الثواب، وعقابه


(١) تاريخ الطبري: ٨/ ٦٧.
(٢) الوافي بالوفيات: ٣/ ١٨٤ - ١٨٥.
(٣) تاريخ الطبري: ٤/ ٥٤٧.

<<  <   >  >>