للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وسألوه عن حاجته بمصر دون غيرها من البلاد، فقال إنه يريد أن يطلب فيها العلم، فقالوا له: «فأما إذا كنت تقصد هذا، فإن بلادنا أنفع لك وأطوع لأمرك ونحن أعرف بحقك»، وما زالوا به حتى أجابهم إلى المسير بصحبتهم (١).

ووصل أبو عبد الله الشيعي إلى أرض كتامة سنة ٢٨٠ هـ، وكان قد جمع المعلومات التي يريدها عن قبيلة كتامة، عن ديارهم وموقعها ومهارتهم في ركوب الخيل وحمل السلاح، وعدم وجود صلة لهم بالخليفة العباسي، وعدم خضوعهم لسلطان الأغالبة، ووجود صراعات داخلية بين قبائل البربر، ونحو ذلك من معلومات مهمة كان يحتاجها قبل دخول الدعوة الإسماعيلية مرحلة الكفاح المسلح (٢).

وقد أبدى أبو عبد الله الشيعي نشاطاً كبيراً في نشر الدعوة الإسماعيلية في أوساط قبيلة كتامة، وفي المقابل فقد أكرم أهالي كتامة وفادةَ أبي عبد الله الشيعي، وأحلُّوه من أنفسهم محلَّ الإجلال والإكرام، والتفوا حوله وصاروا من شيعته، ولذلك لم يلبث أبو عبد الله أن كشف عن نواياه لرجال كتامة قائلاً: «أنا صاحب البذر الذي أخبر به أبو سفيان والحلواني» فازدادت محبتهم له، وعظم أمره فيهم، وأتته القبائل من كل مكان (٣).

ولم يكد أبو عبد الله الشيعي يطمئن إلى قوة جبهته، وتغلغل المبادئ الإسماعيلية في نفوس أتباعه وشيعته، حتى بدأ جهودَه الحربية الرامية إلى إقامة دولة شيعية بالمغرب، وقد بدأ هذه الجهود حوالي سنة ٢٨٩ هـ، فخضعت له مدن كثيرة، وساعده على هذا النجاح ما كان قد أصاب الدولة الأغلبية - صاحبة الحكم في تونس حينذاك- من ضعف وانحلال.

عند ذلك أرسل أبو عبد الله إلى المهدي - الإمام الإسماعيلي صاحب الدعوة، وكان يقيم في مدينة سلمية بالشام - يستدعيه للحضور إلى بلاد المغرب، فأسرع بتلبية الدعوة وخرج من الشام ومعه أموال وفيرة، ويقال إن الخليفة العباسي علم بخروجه، فأرسل إلى عماله في مصر وإفريقية يوصيهم بالقبض عليه، ولكن


(١) اتعاظ الحنفا للمقريزي: ١/ ٥٥، ٥٦. مصر في عصر الدولة الفاطمية في مصر للدكتور سرور: ص ٨.
(٢) دراسات في تاريخ المغرب والأندلس للدكتور حسن علي: ص ٣٤ - ٣٩.
(٣) اتعاظ الحنفا للمقريزي: ١/ ٥٧.

<<  <   >  >>