للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عبيد الله استطاع - بالتستر تارة، وببذل المال تارة أخرى - أن يفر من مراقبة الولاة، وانتهت به الرحلة إلى مدينة سجلماسة في المغرب الأقصى حيث قبض عليه واليها وسجنه بها (١).

وفي سنة ٢٩٦ هـ تم لأبي عبد اللهِ النصرُ النهائي على الولايات القائمة في شمال أفريقيا: دولة بني مدرار في سجلماسة، ودولة بني رستم في تاهرت، ودولة الأغالبة في إفريقية (تونس)، وأطلق سراح عبيد الله، فقاد الجيش بنفسه، وسار حتى دخل مدينة رقادة في سنة ٢٩٧ هـ، ونزل بقصر من قصورها، وفي يوم الجمعة خطب باسمه على منابر رقَّادة والقيروان - بعد أن قضى نهائيّاً على ملك الأغالبة- ولقب بأمير المؤمنين عبيد الله المهدي (٢).

وهكذا توج الشيعة الإسماعيلية جهودهم الضخمة بالوصول إلى عرش الخلافة لتبدأ صفحة جديدة من تاريخ الدعوة الشيعية يسميها بعض الباحثين المحدثين مرحلة «الدعوة الدولة» (٣).

وصار هناك خلافتين، خلافة عباسية ببغداد وخلافة فاطمية في رقَّادة، وتبعها بعد قليل إعلان خلافة ثالثة سنة ٣١٦ هـ وهي الخلافة الأموية في الأندلس، فأصبح حكم العالم الإسلامي موزعاً بين خلافات ثلاث - من حيث الظاهر (٤) - خلافتان سنِّيتان هما: الخلافة العباسية في بغداد والخلافة الأموية في قرطبة، وخلافة شيعية هي الخلافة الفاطمية الإسماعيلية في إفريقية.

وكان الضعف قد بدأ يدب في جسد الخلافة العباسية السُّنيَّة، بعد أن تفككت إلى دول صغيرة ولا سيما منذ عصر الخليفة الراضي (٣٢٢ - ٣٢٩ هـ)، حيث انفصلت الأقاليم الشرقية عن الخلافة، في حين أخذت بقية الممتلكات العباسية


(١) سيرة الحاجب جعفر لمحمد اليماني: ص ١١٠ - ١١٤. رسالة افتتاح الدعوة للقاضي النعمان: ص ١٤٩. اتعاظ الحنفا للمقريزي:١/ ٦٠ - ٦٢.
(٢) اتعاظ الحنفا للمقريزي: ١/ ٦٢ - ٦٦.
(٣) الدولة الفاطمية للدكتور أيمن فؤاد سيد: ص ١١٩ وما بعدها.
(٤) ذكرتُ في نهاية مبحث الدولة الأموية في الأندلس أنه على الحقيقة لم يكن هناك ثلاث خلافات شرعية، لأن الخلافة العباسية كانت خلافة صورية، والخلافة الفاطمية في شرعيتها شك كبير وخاصة وهي تعلن المبادئ المخالفة للشريعة، التي ذكرتُ بعضها.

<<  <   >  >>