الإسلام - التي أشرت إلى بعضها - لذا لا يمكن اعتباره إلا متغلباً بقوة السيف، إضافة إلى أن الخلافة الفاطمية ومنذ نشأتها لم تعترف بالخلافة العباسية في بغداد أو الأموية في دمشق وقرطبة، بل لم تعترف بالخلفاء الراشدين الثلاثة الأُوَل، ونازعت الكلَّ كما نازعها الكلّ في لقب الخلافة، وكانت خصماً حقيقياً ومظهراً عملياً للتعدد مبنياً على نظرتهم الخاصة إلى الإمامة، أما الأمويون في الأندلس فقد برزوا كخلفاء سدّاً للفراغ السياسي الحاصل في الساحة، ولعدم اعترافهم بخلافة الفاطميين التي أُعلنت في أفريقية قبلهم، أو التي كانت في مصر بعد ذلك.
فآل الأمر في الواقع إلى وجود خليفة واحد فقط وليس ثلاثة خلفاء كما قال المؤرخون، وعندما أُعلن سقوط الخلافة الأموية عادت الخلافة إلى العباسيين على ضعف الخليفة العباسي آنذاك.
إذاً مرة أخرى لا تعدد شرعياً في التاريخ، فالأمة الإسلامية والتي هي الإطار السياسي الرئيس الذي يمكِّن الشعوب الإسلامية على اختلاف خصوصياتها اللسانية والثقافية والقومية من الاتحاد والتعاون لتحقيق غايات الوجود الإنساني كما حددها الشرع الحنيف، هذه الأمة لم تقبل أن تكون لها خلافات متعددة تمثل كل منها جزءاً من الشرعية، وما وُجد إنما هو إماراتٌ مستقلة أو شبه مستقلة أو صراعات على الحكم ليس فيها ما يستشف منه جواز تعدد الخلفاء أو ما يدل على أنه كان مبنياً على قاعدة شرعية أو حكم فقهي يجيز التعدد، وبقيت العقيدة الإسلامية والانتماء إلى الأمة الإسلامية الواحدة هما الأساس المتين الذي حافظ تاريخياً على بقاء وحدة الأمة الثقافية والاقتصادية والعملية رغم تباين القوميات والشعوب الإسلامية، بل رغم قيام تقسيمات سياسية ودويلات مستقلة.
ويكفينا بعد هذه الجولة التاريخية الواسعة التي عرفنا خلالها رجحان قول من قال بضرورة وحدة الخلافة - بعد أن عرفنا قوة أدلته - أن نلاحظ أن ضعف الخلافة كان دائماً مقترناً بمخالفة الشرع وأهم مخالفتين للشرع هنا هما: التنازع على الخلافة، وأن يتولى منصب الخلافة من لم تتحقق فيه الشروط، كالصبي.
أما ظاهرة التنازع على الخلافة فقد كانت دائماً مؤشراً على الضعف كما حصل في: