للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

على ما رآه من أبهة الملك، لما ذكر له المصلحة فيه، فإن عمر قال له: لا آمرك ولا أنهاك. ويقال في هذا: أن عمر لم ينهه، لا أنَّه أَذِنَ له في ذلك، لأنَّ معاوية ذكر وجه الحاجة إلى ذلك. ولم يثق عمر بالحاجة، فصار الأمر محل اجتهاد في الجملة.

فهذان القولان متوسطان: أن يقال: خلافة النبوة واجبة، وإنما يجوز الخروج عنها بقدر الحاجة، أو أن يقال: يجوز قبولها من المُلك بما ييسر فعل المقصود بالولاية ولا يعسره، إذ ما يبعد المقصود بدونه لابد من إجازته» (١).

وهذا يقتضي أن شَوْب (٢) الخلافة بالملك جائز، وإن كانت الخلافة المحضة أفضل. وكل من انتصر لمعاوية وجعله مجتهداً في أموره ولم ينسبه إلى معصية فعليه أن يقول بأحد القولين: إما جواز شوبها بالملك. أو عدم اللوم على ذلك.

ولهذا جاء تكييف خلافة معاوية بعد وفاة علي - رضي الله عنه - مختلفاً عند العلماء تبعاً لموقفهم منها؛ قال الكمال ابن أبي شريف: «اختلف مشايخنا في إمامة معاوية بعد وفاة علي رضي الله عنهما فقيل: صار إماماً انعقدت له البيعة، وقيل: لا لم يَصِرْ إماماً لقوله - صلى الله عليه وسلم -: «الخلافة بعدي ثلاثون ثم تصير ملكاً عضوضاً» (٣) وقد انقضت الثلاثون بوفاة الإمام علي - رضي الله عنه - تقريباً، وتمت بمدة خلافة الحسن بن علي رضي الله عنهما، وينبغي أن يحمل قول من قال بإمامته على ما بعد تسليم الحسن له، أما قبل وفاة الإمام علي - رضي الله عنه - فلم يكن معاوية إماماً شرعياً، بلا خلاف، حتى بعد أن بايعه أهل الشام بالخلافة بعد حادثة التحكيم» (٤).

وكذلك الأمر قبل أن يسلم الحسنُ بن علي الخلافةَ إلى معاوية؛ لأن تولي الخلافة بالقوة وإن كان طريقاً شرعياً للخلافة - كما استقر عليه رأي أهل السنة والجماعة - ولكنه لا تتم شرعية المتغلب حتى يقبل به كل الناس ويخضعوا له، أي حتى تتكامل صورة التغلب فيه إلى أقصى غاية، وهذا ليس شرطاً فيمن تولى


(١) الخلافة والملك لابن تيمية: ص ٢٩. مجموع فتاوى ابن تيمية: ٣٥/ ٤٢.
(٢) الشَوْب: هو الخلْط. كما في لسان العرب لابن منظور: ١/ ٥١٠.
(٣) العضوضَ: الذي فيه عسف وظلم، كأنه يعض على الرعايا. تهذيب اللغة للأزهري: ١/ ٧٥. والحديث سبق تخريجه في: ص (٢٠) حاشية (٤).
(٤) المسايرة ومعه المسامرة رسالة دبلوم لحسن عبيد: ص ٣٣٥. تفسير القرطبي: ١/ ٢٧٣.

<<  <   >  >>