للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الدين , ولم تبعد، ولكن أرأيت لو صرف هذا الأمر عنك فلم تحضر من كنتَ ترى من هؤلاء الرهط أحق بالأمر؟ قال: عثمان. وخلا بعثمان فقال: تقول شيخ من بني عبد مناف وصهر رسول الله وابن عمه لي سابقة وفضل، ولم تبعد، فلن يصرف هذا الأمر عني، ولكن لو لم تحضر فأيَّ هؤلاء الرهط تراه أحق به؟ قال: علي. ثم خلا بالزبير فكلمه بمثل ما كلم به علياً وعثمان فقال: عثمان. ثم خلا بسعد فكلمه فقال: عثمان. ودارَ عبدُ الرحمن لياليه يلقى أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومن وافى المدينة من أمراء الأجناد وأشراف الناس يشاورهم ولا يخلو برجل إلا أمره بعثمان، حتى إذا كانت الليلة التي يُستكمَلُ في صبيحتها الأجل، أتى منزل المسور بن مخرمة بعد ابهيرار من الليل فأيقظه فقال: ألا أراك نائماً ولم أذق في هذه الليلة كثيرَ غمض، انطلقْ فادع الزبير وسعداً فدعاهما فبدأ بالزبير في مؤخر المسجد في الصفة التي تلي دار مروان، فقال له: خلِّ ابني عبد مناف وهذا الأمر، فقال: نصيبي لعلي (١). وقال لسعد: أنا وأنت كلالة (٢) فاجعل نصيبك لي فأختار، قال: إن اخترتَ نفسك فنعم (٣)، وإن اخترتَ عثمان فعليٌّ أحب إلي (٤)، وانصرف الزبير وسعد، وأرسل المسورَ بن مخرمة إلى علي - رضي الله عنه - فناجاه طويلاً وهو لا يشك أنه صاحب الأمر ثم نهض، وأرسل المسورَ إلى عثمان فكانا في نجيِّهما حتى فرَّق بينهما أذان الصبح، فلما صلوا الصبح جمع الرهط وبعث إلى من حضره من المهاجرين وأهل السابقة والفضل من الأنصار، وإلى أمراء الأجناد فاجتمعوا حتى التجَّ المسجد بأهله، فقال: أيها الناس إنَّ الناس قد أحبوا أن يلحق أهل الأمصار بأمصارهم وقد علموا مَن أميرُهم، فتكلم بنو هاشم يريدون علياً، وتكلم بنو أمية


(١) اختلفت الرواية عن الزبير فقد ذُكر عنه أنه اختار عثمان (كما ذكر الطبري في تاريخه: ٢/ ٥٨٥)، وذكر عنه أنه اختار علياً - رضي الله عنه - (كما في مجموع فتاوى ابن تيمية: ٤/ ٤٢٧. ومآثر الإنافة للقلقشندي: ١/ ٥٤)، وذكر عنه أنه اختارهما معاً (كما في تاريخ الخلفاء للسيوطي: ١/ ١٥٤).
(٢) الكلالة في المواريث: من لا والد له ولا ولد، أي يرثه الناس الأبعد، وقد يقع اسم الكلالة على بعض الوارثين، انظر: أحكام القرآن للجصاص: ٢/ ١٠٩ سورة النساء، باب الكلالة. والمقصود هنا أنهما يعتبران في موضوع الخلافة الطرفَ الأبعد مقارنة بعلي - رضي الله عنه - وعثمان - رضي الله عنه -.
(٣) لعل هذا كان قبل أن يخرج عبد الرحمن - رضي الله عنه - نفسَه منها.
(٤) مرَّ قبل قليل أنه اختار عثمان - رضي الله عنه -، وكذا عند السيوطي في تاريخ الخلفاء ١/ ١٥٤ ذكر أنه اختار عثمان - رضي الله عنه -، ولعل هذا سببه تقارب مكانتي عثمان وعلي.

<<  <   >  >>