للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يريدون عثمان، فقال سعد بن أبي وقاص: يا عبد الرحمن افرغ قبل أن يفتتن الناس. فقال عبد الرحمن: إني قد نظرت وشاورت فلا تجعلُن أيها الرهط على أنفسكم سبيلاً، ودعا علياً فقال: عليك عهد الله وميثاقه لتعملَنَّ بكتاب الله وسنة رسوله وسيرة الخليفتين من بعده قال: أرجو أن أفعل وأعمل بمبلغ علمي وطاقتي. فأرسل يده ثم دعا عثمان فقال له مثل ما قال لعلي فقال: نعم. فبايعه. وقدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فقيل له: بايعْ عثمان. فقال: أَكُلُّ قريش راض به؟ قيل: نعم. فأتى عثمان فقال له عثمان: أنت على رأس أمرك إن أبيتَ رددتُها. قال: أتردُّها؟ قال: نعم. قال: أَكُلُّ الناس بايعوك؟ قال: نعم. قال: قد رضيت لا أغرب عما قد أجمعوا عليه وبايعه». اهـ

هذه الآلية التي وضعها عمر - رضي الله عنه - جنَّبت الأمة الفرقة والاختلاف في اختيارهم خليفة لهم، ولكنها حرَّكت - بشكل غير مباشر - تنافساً قديماً بين بني أمية وبني هاشم (١)، انعكس تنافساً على تولي الخلافة بين عثمان - رضي الله عنه - وعلي - رضي الله عنه -، مما ألقى بظلاله على خلافة عثمان - رضي الله عنه -، وعلى الأحداث التي حصلت بعد مقتله - رضي الله عنه -، ولئن كان طموح سيدنا علي - رضي الله عنه - إلى الخلافة قد ظهر بعد وفاة النبي - صلى الله عليه وسلم - مباشرة، فإن مكانة أبي بكر وعمر العالية في الإسلام حسمت الأمر بسرعة، بينما تقارب مكانة عثمان وعلي - رضي الله عنهم - أظهر هذا الطموح ثانية.


(١) لقد كان بنو أمية وبنو هاشم قبل الإسلام كفرسي رهان في الزعامة على قريش وفي التجارة وتملك الأموال، ثم رقَّت حال بني هاشم، وازداد بنو أمية غنى وقوي نفوذهم، واتجه بنو هاشم إلى الزعامة الدينية فكانت فيهم حجابة البيت وسقاية الحاج. ولعل هذا سبب تأخر أبي سفيان وكثير من بني أمية عن الاستجابة لرسالة الإسلام في بداية عهدها لئلا يفقدوا ميزاتهم في الزعامة. ولعل هذا أيضاً - بالإضافة إلى سابقته في الإسلام وبلائه فيه- كان وراء شعور سيدنا علي بحقه في الخلافة بعد وفاة سيدنا محمد - صلى الله عليه وسلم - استمراراً لدور بني هاشم في الزعامة الدينية في مجتمع لا زالت الأعراف القبلية حاضرة فيه بقوة. وقد ذكر السيوطي في الدر المنثور: ٢/ ٥٦٨ استمرار هذا التنافس إلى ما بعد ذلك فقال: أخرج الزبير بن بكار في (الأخبار الموفقيات) عن ابن عباس أن معاوية قال: يا بني هاشم إنكم تريدون أن تستحقوا الخلافة كما استحقيتم النبوة، ولا يجتمعان لأحد وتزعمون أن لكم ملكاً. فقال له ابن عباس: أما قولك أنا نستحق الخلافة بالنبوة فإن لم نستحقها بالنبوة فبم نستحقها؟! وأما قولك أن النبوة والخلافة لا يجتمعان لأحد فأين قول الله: «فقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والحكمة وآتيناهم ملكاً عظيماً» فالكتاب: النبوة، والحكمة: السنَّة، والمُلك: الخلافة، نحن آل إبراهيم أمر الله فينا وفيهم واحد والسنة لنا ولهم جارية، وأما قولك زعمنا أن لنا ملكاً فالزعم في كتاب الله شك وكلٌّ يشهد أن لنا ملكاً، لا تملكون يوماً إلا ملكنا يومين ولا شهراً إلا ملكنا شهرين ولا حولاً إلا ملكنا حولين.

<<  <   >  >>