فهذا النص صريح بأن الكفار إذا أجابوا لإحدى الخصال فإنه يجب على أمير الجيش وجوباً أن يقبل منهم هذه الخصلة وأن يكف عن قتالهم ويأخذ منهم الجزية، وكما يترتب على قبول الكفار لخصلة الجزية أنه تؤخذ منهم ويكف عن قتالهم أيضاً يجب تبعاً لذلك أن يدافع عنهم، فإنهم أصبحوا تحت حماية المسلمين بدفعهم الجزية فلا يقاتلون ولا يسلمون للأعداء لأنهم دفعوا الجزية وصاروا تحت ظل وحكم المسلمين فوجب عليهم أن يدافعوا عنهم.
-
ثم قال - رحمه الله -:
ويمتهنون عند أخذها، ويطال وقوفهم، وتجر أيديهم.
يجب: = عند الحنابلة أن يتقصد آخذ الجزية إهانة الكافر.
ـ أنه يجب أن يأتي بنفسه بالجزية فإن أرسل بها موليه أو رسولاً من الأحرار فإنها ترد ويقال له يجب أن تسلم الجزية بنفسك.
ـ ومنها أنه يجب أن يطول انتظاره لكي يسلموا الجزية.
ـ ومنها: أنه يجب أن يطول انتظارهم أثناء تسليم الجزية، فيقف الإنسان وقوفاً طويلاً ينتظر أن يسلم الجزية وإذا دخل وأراد أن يسلم الجزية أيضاً ترك فترة طويلة وإذا مد يده بالجزية ترك فترة طويلة ثم بعد هذه السلسلة من الإهانات تؤخذ منه مع جذب يده، فكل ذلك: تحقيقاً للصغار المذكور في الآية، وإلى هذا ذهب الحنابلة كما ترون وهو مذهب الإمام أحمد - رحمه الله -.
= والقول الثاني: أن هذه الممارسات لا تدل عليها الآية ولا يدل عليها عمل الصحابة بل الواجب أن تؤخذ منهم أخذاً هيناً طبيعياً بلا إكرام ولا إهانة.
والدليل على هذا:
- أن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - وأمراء الأجناد ومن يوليهم الخلفاء على البلدان التي فيها أهل الذمة كانوا يأخذون الجزية من أهل الكتاب بطريقة سليمة وبطريقة طبيعية ولم ينقل عنهم أنهم كانوا يمارسون هذه الممارسات لإذلال الكفار، وإن كان إذلال الكفار مقصد شرعي بلا شك لكن أخذ الجزية منهم بهذه الطريقة وهذا التفصيل يحتاج إلى دليل.
وأما الآية: فالجواب عنها: أن الصغار المقصود بالآية يتحقق بأمرين:
- الأمر الأول: أن يدفعوا الجزية: فدفعهم الجزية بحد ذاته صغار.