فهذا الحديث عظيم وفيه فوائد كثيرة:
- منها: أنه لا حرج على الرجل الشريف كبير القدر أن يدخل في صلح مالي. فهذا لا حرج فيه ولا غضاضة ولا يقال: لا ينبغي لمثله الدخول في العقود المالية فهذا جابر - رضي الله عنه - دخل.
- ومنها: أنه لا حرج على الرجل الشريف أن يتولى بعض أمور أصحابه. فهذا النبي - صلى الله عليه وسلم - أمره أن يقسم التمر وكيف يكيل للناس وجلس أثناء قضاء الناس حوائجهم.
- ومنها: - وهو أيضاً مفيد ومهم - أنه لا حرج على المطلوب إذا رفض ولو كان الطالب كبير القدر لأن الحقوق المالية أساسها يرجع إلى الرضا. فلا حرج على الإنسان أن يرفض إذا لم ير أن هذا مناسباً له. ولهذا ليس في الحديث مطلقاً أي إشارة إلى لوم هؤلاء الذين كانوا يطلبون جابر لما أبوا أن يجيبوا النبي - صلى الله عليه وسلم - وهذا لا ينفي أن يكون أنه من المروءة وحسن الخلق إجابة الرجل الذي له قدر في الإسلام لكن لو لم يجب فلا حرج ولا لوم على من رد طلبه فهذا هو الدليل من النص.
- وأما الدليل من المعقول:
- فهو أن حقيقة هذا الصلح: إما أن يكون إبراء أو هبة وللإنسان أن يهب أو أن يبرئ ما شاء من ماله ما دام جائز التصرف.
- ثم قال - رحمه الله -:
- صح إن لم يكن شرطاه، ولا يصح ممن لا يصح تبرعه.
لما ذكر المؤلف - رحمه الله - هذا الحكم ذكر شروط هذا الحكم وذكر شرطين:
- الشرط الأول: أن لا يكون هذا الصلح على سبيل الاشتراط. وتلاحظ أن عبارة المؤلف - رحمه الله -: (شرطاه) وأطلق. فهو يتناول المُقِرْ والمُقَرّ له.
- فالمُقَرّ له: شرطه أن يقول: وهبتك نصف ما لي على أن تقر لي به.
فإذا وقع العقد بهذا الشرط: فالصلح باطل. - لأن المقر له صالح عن ماله ببعضه ففيه هضم لحقه.
- النوع الثاني: أن يكون المشترط: المُقِر. كأن يقول: لا أقر لك حتى تعطيني نصفه. فهذا الصلح بهذا الشرط أيضاً باطل.
وهو أقبح من الأول: لأنه من أكل أموال الناي بالباطل. إذ يجب عليه أن يقر بلا عوض.
- الشرط الثاني: الذي ذكره المؤلف. هو: أن يكون الإقرار ممن يصح تبرعه.