وبهذا انتهى القسم الأول وهو: الصلح على إقرار.
وانتقل المؤلف - رحمه الله - إلى القسم الثاني: الصلح على إنكار.
فصل
[القسم الثاني: الصلح على إنكار]
- فقال - رحمه الله -:
- (فصل) ومن ادعي عليه بعين أو دين فسكت أو أنكر وهو يجهله، ثم صالح بمال: صح.
يقول - رحمه الله -: ((فصل) ومن ادعي عليه بعين أو دين فسكت أو أنكر) يعني: ثم صالح عليه صح الصلح.
وهذا كما قلن الصلح على إنكار.
ونزلزا الساكت منزلة المنكر: لأنه لم يقر والإنسان إما أن يقر أو أن ينكر. فهو لم يقر فهو منكر.
وهذا الصلح: أي: على إنكار: جائز عند جماهير أهل العلم. الإمام أحمد والإمام مالك والإمام أبو حنيفة كلهم يصححونه وجمهور السلف.
واستدلوا على تصحيح هذا الصلح:
- بعموم قول النبي ثم قال - رحمه الله -:: (الصلج جائز بين المسلمين). فهو عام يتناول الصلح على إقرار ويتناول الصلح على إنكار.
- وكذلك: عموم الآية وهي: قوله: (والصلح خير). يعني بكل أنواعه.
= والقول الثاني: وهو مذهب الإمام الشافعي: أن الصلح على إنكار لا يصح.
واستدل على هذا:
- بأنه كيف يصالح على أمر لم يثبت له. فهو كما لو باع شيئاً لا يملكه. لأنا نفترض أن المقر عليه: أنكر. إذاً: لم يثبت الحق إلى الآن للمدعي فكيف يصالح على أمر لم يثبت له يقول الإمام الشافعي. هذا من أكل أموال الناس بالباطل.
والجواب على هذا الدليل القوي: أن المدعي يصالح عن أمر يعتقد أنه ملكاً له. هو لم يثبت قضاء لكنه هو يعتقد أنه من أملاكه. فصالح عليه بناء على هذا الأصل. وأن المدعى عليه فإنه يصالح لدفع الخصومة عن نفسه والشرع لا يمنع الإنسان عن أن يدفع الخصومة والوضاعة عن نفسه.
فإن من الناس من يحب أن يفتدي ذهابه إلى المجكمة أو اليمين بحضرة القاضي أو في حضرة المحكم بكب ما يملك لا يحب أن يدخل باليمين: إما لأنه لا يحب أن يخاطر بدينه كما فعل ابن عمر - رضي الله عنه - فإنه امتنع عن اليمين مع علمه بصدق نفسه تورعاً. أو لأنه لا يريد أنه من أشراف الناس أن يبذل اليمين أو يدخل مجلس القاضي وهذه الأمور يقرها الشارع فلا حرج للإنسان أن يمتنع عن مثل هذا.