ومن الغرائب أن هذا القول الرابع حكي إجماعاً. كيف تحكي الإجماع والإمام أحمد له ثلاث روايات في نفس المسألة ليست رواية ولا روايتين ثلاث روايات وتقول محل إجماع.
استدل أصحاب القول الرابع الذي حكي إجماعاً:
- بأن المرأة يسهل عليها الإتيان بينة تدل على الولادة.
فإذا زعمت أن الطفل هذا لها وينتسب لها فتكلف بالبينة فإن جاءت بها وإلا فلم يقبل منها.
صارت الأقوال أربعة: يقبل مطلقاً - لا يقبل لمن كانت ذات زوج - لا يقبل لمن كان لها إخوة معروفي النسب - والرابع: لا يقبل مطلقاً.
المسألة كما قلت لكم مشكلة والذي يظهر لي أن أرجح الأقوال الرواية الثانية عن الإمام أحمد وهو أنه إذا لم تكن ذات زوج وادعت الولد يقبل منها بلا بينة. لأن في هذا مصلحة لها وللقيط ولا يوجد إن شاء الله مضرة باعتبار أنه لا زوج لها. وعلى كل حال يكون القول الثاني هذا أقرب الأقوال.
- قال - رحمه الله -:
- ولو بعد موت اللقيط.
يعني: ولو ادعى الرجل أو ادعت المرأة أن هذا اللقيط له بعد موت اللقيط فيصح.
وذلك احتياطاً لأمر النسب ومراعاة لمصلحة أولاد اللقيط. وهذا صحيح: أي أنا نثبت نسب اللقيط ولو جاء الاعتراف بعد موته.
- ثم قال - رحمه الله -:
- ولا يتبع الكافر: في دينه إلاّ بينة تشهد أنه ولد على فراشه.
(ولا يتبع الكافر: في دينه) معنى هذا الكلام أنه إذا ادعى الكافر هذا اللقيط فإنا نقبل من الكافر هذه الدعوى ويثبت نسب اللقيط لكن لا ينتسب إليه في الدين وإن نسب إليه في النسب.
كما أن اللقيط لا يقر في يد هذا الكافر:
- لأنه لا ولاية لفاسق فكيف بالكافر.
- ولأنه لا يتولى الكافر على المسلم.
إذاً: إذا ادعى اللقيط الكافر صححنا الدعوى وانتسب اللقيط إلى الكافر لكن لا يتبعه في الدين ولا يملك الكافر الحضانة.
فهم من هذا أنه إذا كان اللقيط في يد الملتقط وادعاه مسلم وأثبتنا النسب فمن المعلوم أنه يجب على اللقيط أن يدفع الغلام إلى مدعيه يعني: إلى أبيه. لأن هذا المدعي سيكون أباً شرعاً وإنما يستثنى من ذلك إذا كان المدعي كافراً.