وهذا مذهب الجمهور, واستدلوا على هذا بأنّ الوقف إنما شرع للتقرب إلى الله بتحصيل الأجر, وهذا لا يحصل إلى إذا كان على جهة بِرّ، بناء على هذا القول لا يجوز أن نقف على الأغنياء من غير الأقارب, لأنهم ليسوا جهة بِرّ, فلا هو قريب ولا فقير، ولا يجوز أن نقف على تعليم الشعر المباح، لأنه ليس من جهات البِرّ.
والقول الثاني: أنه لا يشترط أن يكون على جهة بِرّ، بل يشترط أن لا يكون على معصية, فظهور الِبِرّ والقربة فيه لا يشترط.
واستدل هؤلاء: بأنّ الوقف من حيث هو عبادة، فلا ننظر إلى جهة صرفه, وعلى هذا القول يجوز أن نقف على الأغنياء وعلى من يعلمون الشعر المباح، والصحيح مذهب الجمهور, ذلك لأنّ الوقف لم يشرع إلا ليتعبد الإنسان ربهُ بِهِ ابتغاء الثواب وهذا لا يكون إلا إذا كان المصرف جهة بِرّ، ولما قرّر الشيخ - رحمه الله - الحكم ذكر أمثلته:
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(كالمساجد والقناطر والمساكين)
بدأ المؤلف بالتمثيل بالوقف على جهة عامة, كالمساجد والقناطر والمساكين, جهات عامة وليست جهة معينة, المساجد معروفة، والمساكين تقدم معناهم في كتاب الزكاة, والقناطر جمع قنطرة، والقنطرة هي الجسر الممدود على الماء، واشترط بعضهم أن يكون مقوساً, وإلاّ لا يعتبر قنطرة, ومن خلال هذا التعريف عرفنا الفرق بين القنطرة والجسر, لأنه مادام يقول أنّ القنطرة هو جسر ممدود على الماء, فإنّ الجسر أعم، فالجسر لا يشترط أن يضرب على الماء, ولا أن يكون مقوساً ولا أن يبنى, بينما القنطرة لا تسمى قنطرة, إلاّ إذا كانت مبنية, ولابد ومقوسة ومضروبة على الماء.
فإذاً عرفنا الآن الفرق بين القنطرة والجسر, ولاشك أنّ الوقف على الطرق والقناطر من أعظم القربات, لما فيه من تسهيل على المسلمين, وقضاء حاجتهم.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(والأقارب من مسلم وذميّ)