هذا من باب التمثيل على الوقف على جهة خاصة, وهم الأقارب, ويجوز أن يقف على الأقارب سواء كانوا من المسلمين أو الذميّين, والسبب في ذلك أنّ الوقف على الأقارب عبادة, لأنه يعتبر من باب صلة الرحم, وصلة الرحم عبادة سواء كانت مع مسلم أو مع ذميّ, وفهم من كلام المؤلف أنّ الذميّ لا يجوز أن يوقف عليه, إذا كان من الأقارب, فإن لم يكن من الأقارب, بأن كان أجنبياً, فإنه لا يجوز أن يوقف عليه, ولو من ذميّ، وإلى هذا مال الشيخ الزركشي، وقال إنّ هذا ليس من التقرب, لأنّ القربة تكون بصلة الرحم, وهذا ليس من الأرحام.
والقول الثاني: أنه يجوز أن نقف على الذميّ, ولو لم يكن من الأقارب كأن يكن صديقاً أومن المعارف, واستدل هؤلاء بأنّ الصدقة والبِرّ والإحسان للذميّ جائز, فالوقف من هذا الباب.
وهذا القول الثاني هو الراجح إلاّ أنه لا ينبغي أن يقف الإنسان على ذميّ, إلاّ في حالتين: إما أن يكون من الأقارب, وقد وقف الصحابة - رضي الله عنهم - على أقاربهم من غير المسلمين ولا إشكال ولا حرج فيه.
الثاني: أن يرجى إسلامه، أقول ينبغي ألاّ يوقف إلاّ على أحد هذين النوعين.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(غير حربيّ)
يعني فلا يجوز أن نقف على حربيّ, ومثله المرتد, والوقف عليهما باطل, والسبب في ذلك أنّ الحربيّ والمرتد, المقصود شرعاً إعدامهما, والتضييق عليهما, والوقف عليهما بعكس هذا الغرض, فإنّ في الوقف عليهما توسيع, والمطلوب شرعاً التضييق والإعدام, وهذا صحيح.
والدليل الثاني: أنّ الوقف يراد للتأبيد, والحربيّ والمرتد مآله إلى القتل شرعاً, وهذا يؤول إلى انقطاع مصرف الوقف، إذاً لا يجوز أن نقف لا على الحربيّ ولا على المرتد.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(وكنيسة)
يعني ولا يجوز أن يوقف الإنسان وقفاً على كنيسة, سواء كان الواقف من المسلمين أومن الذميّين, وإلى هذا ذهب الجماهير, بل لكثرة الذاهبين إليه, أُعتبر إجماعاً عند بعض الفقهاء, والسبب في ذلك أنّ في الوقف على الكنيسة إعانة على الكفر والإلحاد والشرك, وهذا مناقض تماماً لمقصود الوقف, فإنّ مقصود الوقف القربة, وهذا كفر وشرك.