الدليل الأول: أنّ أمير المؤمنين عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - لما أوقف نصيبه في خيبر بقي هذا النصيب في يده إلى أن مات، وهذا في معنى أن يكون الوقف على النفس, لأنه انتفع به إلى أن توفي - رضي الله عنه - هذا أولاً.
ثانياً: أنّ عثمان بن عفان - رضي الله عنه - لما أوقف البئر جعل له دلواً معه إلى المسلمين, فملك منفعة شيء من البئر, وهذا في معنى الوقف على النفس.
الدليل الثالث: أنه لا مانع شرعاً ولا محذور من أن يقف الإنسان على نفسه, والوقف ليس كالبيع من كل جهة, وإن كان الوقف والبيع كل منهما عقد من العقود, لكن بينهما فروق تمنع الإلحاق في كل المسائل, بدليل هذه الآثار المروية عن أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - ولذلك الراجح هو جواز الوقف على النفس.
قال المؤلف ـ رحمه الله ـ:
(ويشترط في غير المسجد ونحوه, أن يكون على معينٍ يملك)
يشترط في غير الوقف ونحوه أن يكون على معين يملك, تقدم معنا أنّ الوقف ينقسم على قسمين: وقف على جهة عامة, ووقف على جهة خاصة.
فإن كان الوقف على جهة عامة فإنه لا يشترط أن تكون هذه الجهة مما يملك, كأن يقف على المسجد، ومن المعلوم أنّ المسجد ليس له ذمة يملك بها, ومع ذلك يجوز أن يوقف الإنسان عليه, إذا الوقف على المسجد على الجهات العامة كالمسجد جائز ولا يشترط فيه أن يكون الموقوف عليه مما يملك أو ممن يملك.
القسم الثاني: الوقف على جهة خاصة, بل القسم الثاني الوقف على معين, وهو أدق من قولهم الجهة الخاصة, فالوقف على معين يشترط فيه أن يكون الموقوف عليه ممن يملك, والدليل على هذا أنّ الوقف هو عبارة عن تمليك للرقبة أو للمنفعة، والتمليك لابد أن يكون لمن يصلح أن يملك, وأما من لا يصلح أن يملك فلا يجوز أن نقف عليه, بناء عليه لا يجوز التمليك أو لا يجوز الوقف على المجهول لأنه لا يملك, ولا يجوز الوقف على مبهم, كأن يقول أوقفت الدار على أحد هذين, والمجهول كأن يقول أوقفت الدار على رجل، هكذا المجهول كل هذه العقود لا تجوز.