يعني وإن طلق المفوضة بعد الدخول فإنه لا متعة لها، استدل الحنابلة على أنه: لا تعطى المرأة المطلقة بعد الدخول متعة بأن الله تعالى قسم النساء إلى قسمين لا ثالث لهما، قسم لها المتعة وهي مذكورة في قوله تعالى:{لا جناح عليكم إن طلقتم النساء} وقسم لها نصف المهر وهي المذكورة في قوله تعالى: {وإن طلقتموهن من قبل أن تمسوهن ... فنصف ما فرضتم} فلما قسم الله تعالى النساء إلى قسمين علمنا أن كل قسم يختص بحكمه، فيختص المتعة بالنساء اللاتي لا دخول فيها ولا مسيس ولا فرض، ويختص المهر أو نصفه بما في الآية، نصفه إذا طلق وقد سمى أو فرض، وكله إذا دخل أو باقي مقررات المهر.
القول الثاني: أن المتعة واجبة لكل مطلقة، وهي رواية عن الإمام أحمد، واختارها شيخ الإسلام رحمه الله واستدل بقوله تعالى:{وللمطلقات متاع بالمعروف حقاً على المتقين}، فالآية عامة وفيها مؤكدات كثيرة، فيها الأمر، وفيها قوله حقاً، وفيها الإشارة إلى أن دفع المتعة مطلقاً من جملة التقوى، والتقوى واجبة.
القول الثالث، أن المتعة مستحبة، ودليل هذا القول هو: الجمع بين الأدلة السابقة.
الراجح إن شاء الله اختيار شيخ الإسلام، وإن كانت المسألة فيها نوع إشكال، لكن الراجح إن شاء الله هو هذا، لأنه لا يوجد صارف واضح للآية، وكون الآية الأولى أثبتت المتعة في صورة، فإنها لا تنفي المتعة عن الصور الأخرى، فالأقرب إن شاء الله أنها واجبة وإن كان عمل الناس الآن أن المطلقة بعد الدخول قلّ من يعطيها متعة، وأنت كما ترى القول بالوجوب قوي وواضح، ونصر الشيخ القول بالوجوب بمعنى إضافي على الآية وهو جميل فقال: إن المهر الذي يعطى للمرأة بسبب الدخول لا يمنع المتعة، لأن المهر مقابل الوطء، وأما المتعة فهي في مقابل ما حصل للمرأة من كسر الخاطر وضيق النفس بسبب الطلاق، فهذا له سببه، وهذا له سببه، وهذه إشارة جميلة في الحقيقة.
مسألة: الخلاف المذكور هو في متعة المفوضة، لأن البحث ما زال في المفوضة، وأما المطلقة بعد الدخول التي مهرها مسمى فالخلاف فيها هو هذا الخلاف نفسه، إذاً الخلاف في المفوضة والمسماة واحد لا فرق بينهما واستدلوا بذات الأدلة.