الدليل الثاني: أن الإنزال أمر خفي يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال , والشارع إنما علق العدة بالوطء أو الخلوة لأن الإنزال أمر خفي فلم يجعل علة للحكم , كما أن في السفر لا نجعل علة القصر والترخص هي المشقة. إنما العلة هي السفر بحد ذاته. والحكمة هي المشقة. وهذا القول وجيه جدا وقوي لاسيما مع الوطء. فمن حق هذا الزوج الصبي إذا وطء زوجته أن تعتد خشية أن يكون أنزل ومذهب الحنابلة لا أقول أنا ضعيف لكن مرجوح.
ثم - قال رحمه الله - (أو تحملت ماء الزوج أو قبلها أو لمسها بلا خلوة فلا عدة)
يقول المؤلف أو تحملت ماء الزوج: مقصود المؤلف بقوله أو تحملت ماء الزوج يعني بلا وطء. فلو تحملت الزوجة ماء الزوج بلا وطء فلا عدة , ولو وصل الماء إلى الرحم. واستدل الحنابلة على هذا بأن الآية اشترطت لوجوب العدة المسيس , وإذا تحملت الماء بلا وطء فلا مسيس .. بناء عليه فلا عدة. والمؤلف - رحمه الله - خالف في هذه المسألة المذهب الاصطلاحي.
فالمذهب وجوب العدة إذا تحملت الزوجة بماء الزوج يعني ولو بلا وطء.
استدل أصحاب القول الثاني وهو المذهب: بأن الصحابة جعلوا الخلوة سببا في وجوب العدة لأنها مظنة الوطء وانشغال الرحم , وانشغال الرحم بتحمل ماء الزوج أقرب وأعظم , فوجوب العدة به أولى. وهذا القول الثاني لا شك أنه هو الراجح , وأن أصحاب القول الأول لم يتأملوا في قولهم وإلا لعلموا انه قولا ضعيفا .. إذ كيف يجعل الصحابة مجرد الخلوة توجب العدة لأنه قد يكون الرحم انشغل ولا نجعل إدخال ماء الزوج موجبا للعدة مع أن انشغال الرحم به أقرب. بناء على هذا لو وضعت الزوجة ماء الزوج بأي وسيلة في فرجها فإنه تب العدة ولو بلا وطء.
ثم - قال رحمه الله - (أو قبلها أو لمسها بلا خلوة فلا عدة)
إذا قبل أو لمس الزوج لكن بلا خلوة فإن العدة لا تجب .. فما يحصل بين الأزواج في مكان لم يغلق بباب ولو كان داخل المنزل فإنه لا يوجب العدة. لأنه في هذه الحالة لا يوجد لا وطء ولا خلوة. بناءا على هذا المباشرة لا توجب العدة , إنما الذي يوجب العدة الخلوة والوطء والموت فقط.