الدليل الثاني: أنه وإن حكم مخالفا للسنة إلاّ أنه أصاب الحق فدل هذا على نفوذه إذ ليس المقصود من الحكومة والقضاء إلاّ إصابة الحق. والقول الثاني: أنه لا ينفذ لأنه حكم في حال منهي فيها عن الحكم والنهي يقتضي الفساد. والقول بأنّ القاضي يجب عليه أن يعيد الحكم إذا حكم وهو غضبان هو الصحيح وعلمنا الجواب عن أثر أو حديث الزبير أنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - إنما حكم بعد أن تبيّنت له القضية ولهذا نقول إذا غضب القاضي من حين بدأت القضية واستثير من قبل أحد الخصوم وغضب فإنه يجب عليه وجوبا أن يؤجل إصدار الحكم إلى مجلس آخر بعد أن يعيد النظر في القضية والأدلة , وإذا استثير من قبل أحد الخصوم بعد أن تمكن من القضية وفهمها في آخر المجلس فإنه لا حرج عليه أن يحكم والحالة هذه.
ثم - قال رحمه الله - (ويحرم قبوله رشوة)
يحرم على القاضي أن يقبل الرشوة لأنّ النبي - صلى الله عليه وسلم - لعن الراشي والمرتشي. هذا من وجه من وجه آخر أنّ الرشوة تتناقض تماما مع مقصود الشارع من القضاء فإنّ القصد من الرشوة إحقاق الباطل وإبطال الحق بينما القاضي إنما نصب ليحق الحق ويبطل الباطل وتحريم الرشوة محل إجماع والرشوة هي كل ما يدفعه الإنسان لإعاقة الحق أو لتمرير الباطل سواء في مجلس القضاء أو في غيره.
ثم - قال رحمه الله - (وكذا هدية)
يعني كما أنه يحرم عليه قبول الرشوة يحرم عليه قبول الهدية والفرق بينهما أنّ الرشوة تعطى في سياق القضية والهدية تعطى خارج سياق القضية بأنها هدية منفصلة بينما الرشوة مرتبطة بالقضية الهدية محرمة لثلاثة أدلة:
الدليل الأول: قوله - صلى الله عليه وسلم - هدايا العمال غلول. الثاني: أنّ الهدية كما قال شيخ الإسلام نوع من الرشوة فكل حديث دل على تحريم الرشوة دال على تحريم الهدية.
الثالث: حديث ابن اللتبية الذي بعثه النبي - صلى الله عليه وسلم - ساعيا فلما جاء هذا لكم وهذا أهدوه لي فغضب النبي - صلى الله عليه وسلم - وخطب وقال أفلا جلس في بيت أمه وأبيه فلينظر أيهدى له أو لا.