فإذاً دل على هذه القاعدة نصوص عامة ونصوص خاصة مما لا يدع مجالاً للشك أن من أكل أو شرب أو تعاطى أي مفطر من المفطرات المذكورة فإن صيامه صحيح إذا كان ذلك تم منه جهلاً أو نسياناً أو إكراهاً.
ثم بدأ المؤلف - رحمه الله - بتعداد الأشياء التي لا تفطر عند الحنابلة.
• فقال - رحمه الله -:
لا ناسياً أو مكرهاً.
تقدم معنا. فإن هذا كالتأكيد للشرط السابق. فإن الأدلة الدالة على اشتراط أن يكون عامداً ذاكراً هي الأدلة الدالة على أن الناسي والمكره لا يبطل صيامهما.
•
ثم قال - رحمه الله -:
أو طار إلى حلقه ذباب أو غبار.
هاتان مسألتان حكمهما واحد. إذا إلى حلقه غبار أو ذباب أو نحو هذه الأشياء فإن صيامه صحيح.
- لأنه فعل هذا من غير قصد. فإذا فعله من غير قصد بقي صيامه صحيحاً لما تقدم من اشتراط العمد في تناول هذه المفطرات.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو فكر فأنزل.
إذا فكر الإنسان فأنزل فإن صيامه = عند الحنابلة صحيح ولا يفسد ولو أنزل بالتفكر.
واستدلوا على هذا:
- بأن التفكر أمر خارج عن الإرادة لا يستطيع الإنسان أن يدفعه. وإذا كان كذلك لم يؤاخذ الإنسان بما يترتب عليه.
= والقول الثاني في هذه المسألة: أن الإنسان إذا فكر حتى أنزل فإن صيامه فاسد.
واستدلوا على هذا:
- بأن الله سبحانه وتعالى أثنى على الذين يتفكرون في خلق السموات والأرض ولا يثني الله على عمل إلا وهو داخل في الإرادة فدلت الآية على أن التفكر ممكن من بني آدم وأنه في مقدورهم أن يتفكروا أو أن لا يتفكروا.
= والقول الثالث: وهو مذهب الإمام مالك وهو جميل جداً: وهو الراجح: أنه إن تفكر فانساق وراء هذه الأفكار ولم يمنع نفسه أفطر وإن تفكر فمنع نفسه وصرفها واشتغل بغيرها ولم يستطع دفع هذه الأفكار فأنزل فإن صيامه لا يفسد.
فإنه في الحقيقة بهذا التفصيل تجتمع الأدلة وتنسجم وتتوافق. وأيضاً من جهة المعنى واالنظر فإنه تفصيل دقيق وجميل من الإمام مالك - رحمه الله -.
وهو كما قلت - إن شاء الله - الراجح.
• ثم قال - رحمه الله -:
أو احتلم.
أي: فإنه لا يفسد صيامه إذا احتلم.
وتعليل ذلك: يشبه التعاليل السابقة وهو: