للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[الفائدة الثانية في أصول الكتابات كلها]

[[اختلاف اللغات]]

من المعلوم أن بني آدم، أمم كثيرة مختلفة اللغات، واختلافُها حَدثَ بعد وفاة نُوح عليه السلام بنحو ثلاثمائةٍ وعشرين سنة تقريبًا عند تَبَلبُل الأَلْسُنِ بأرض بَابِلَ في جزيرة "سورى" أو "سوريانة" (١) التىِ كان فيها نوح وقومه قبل الطُّوفان كما قال تعالى: {وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلَّا أُمَّةً وَاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا} [يونس: ١٩] على قول بعض المفسرين. فلما تَبَلبَلَتْ الألْسُن، واختلفت اللغاتُ بالأرضِ المذكورة في إِقليم العراق: سميت بذلك الاسم، وقسمت الأراضى بين الشعوب -أحفاد نوح- قسمة ثانية بعد قسمتها أيام نوح بين أولاده الثلاثة: سام وحام ويافث، وكانوا إِذ ذاك اثنين وسبعين شَعْبًا، وصار لكل شَعْبٍ لغةٌ.

لكن لا يلزم أن يكون لكل لغة كِتابةٌ خاصة بها، ألا ترى إِلى لغة العرب والعجم -والمراد بهم مُسلمو الفُرس والرُّوم والتُّرك- فإِن حروفَ الكُلِّ بصورة واحدة وإن وقع تَخَالُفٌ يسير في أربعة أحرف من حيث النَّقْط والمخارج، وهي: "الباء" و "الجيم" و "الزاى" و"الكاف" الفارسيات.

[[أصول الكتابات]]

وإنما أصول الكتابات اثنا عشر على ما قاله ابْنُ خَلِّكان (٢)، وتَبِعه كثير من


(١) سورى: موضع بالعراق من أرض بابل، وهي مدينة السريانيين (معجم البلدان جـ٣ ص ٢٧٨).
(٢) أحمد بن إبراهيم بن أبي بكر بن خَلِّكان، البرمكي، الإِربلي الشافعي، أبو العباس، المؤرخ الحجة والأديب الماهر صاحب "وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان" وهو من أشهر كتب التراجم ومن أحسنها ضبطًا وإحكامًا ولد سنة ٦٠٨ هـ في إِرْبل (بالقرب من الموصل على شاطئ دجلة الشرقي) وانتقل إِلى مصر وأقام بها مدة وتولى نيابة قضائها، وسافر إِلى دمشق فولاه الملك الظاهر بيبرس (ولايته ٦٥٨ - ٦٧٦ هـ) قضاء الشام، وعزل بعد عشر =

<<  <   >  >>