الساطعة، في ضباب هذه الوثنيّة السائدة والآلهة المادية، هو ذلك الهدف الأسمى والأعلى، إنّه لم يحمل إنسان مثل هذه المسؤولية الضخمة، والمهمّة العظيمة الجليلة، التي تخرج عن طوق البشر، بمثل هذه الوسائل الحقيرة الضئيلة» .
إلى أن قال:
«وأروع من ذلك أنّه هزّ تلك الأصنام والآلهة، والأديان، والتصوّرات، والعقائد والنفوس الإنسانية هزة عنيفة، إنّه بنى على أساس ذلك الكتاب الذي يعتبر كلّ كلمة منه مصدر التشريع، قومية ربانية، ألّفت بين أفراد كلّ جيل، وسلالة، ولغة.
إنّ الميّزة الخالدة لهذه الأمة، التي كوّنها لنا محمد صلى الله عليه وسلم أنّها شديدة المقت والتقزز من الآلهة الباطلة، شديدة الحبّ لله الواحد الذي يتنزّه عن المادة وشوائبها، وهذا هو الحبّ الذي يدفعه إلى الثأر والانتصاف من كلّ إهانة توجّه إلى الذات الإلهيّة، وهذا الحبّ يعتبر أساس سائر الفضائل عند هذه الأمّة.
لقد كان إخضاع ثلث العالم لهذه العقيدة الجديدة من مأثرته بلا ريب، لكنّ الأصحّ أنّه كان معجزة العقل لا معجزة فرد واحد، إنّ الإعلان بعقيدة التوحيد في زمن كانت تئنّ فيه الدّنيا تحت وطأة أصنام لا حصر لها، كان معجزة مستقلة بذاتها.
وما لبث محمّد صلى الله عليه وسلم أن أعلن هذه العقيدة أمام الملأ، حتى أقفرت المعابد القديمة من عبادها فلا داعي فيها ولا مجيب، وتكهرب ثلث العالم بحرارة الإيمان» «١» .
(١) لا مارتين) Lamartine (في كتابه) Historire de la Turquie (ج ٢؛ ص ٢٧٦- ٢٧٧-